هبة قاضي

رفقا بالرجال

السبت - 21 أبريل 2018

Sat - 21 Apr 2018

حين اتصل علي أحد المعارف ليخبرني أنه يرغب في مكالمتي في موضوع ما، توقعت كل شيء إلا ما تحدث به معي فعلا. بداية افتتح الحديث بأنه لم يتحدث بهذا الموضوع مع أي كان مطلقا، وأن ما شجعه على الحديث معي هو متابعته لقراءاتي وآرائي، وما لمسه من مدى تفهمي لاختلاف الظروف الإنسانية، بالإضافة إلى أنني امرأة وهو بحاجة إلى وجهة نظر نسائية واعية ومتفهمة.

شكرت له هذا الإطراء وأعرته أذنا صاغية. أخبرني بداية عن حياته وعمله وزوجته وطموحاته، ثم تدرج ليحدثني عن امرأة ثانية في حياته وعن مدى حيرته في مواجهة الوضع وخوفه من الإقدام على شيء يندم عليه. وكيف أن هذا القلق والحيرة امتدا ليؤثرا على صحته النفسية وعمله وجميع علاقاته.

ما يحصل عادة من ردة فعل نسائية في هذه الحالة هو بالطبع التصدي والاحتداد واتخاذ المواقف، سواء بالتشجيع بناء على شكوى الرجل من الزوجة، أو التقريع والتحذير ومحاولة الإثناء من باب الانحياز للموقف الاجتماعي السائد برفض مبدأ الزواج الثاني من أساسه، وأنه لا بد من إنهاء الموضوع.

ولكنني حقيقة لم أتخذ أيا من الموقفين، لأنني مدركة أنه لا يحق لي ذلك، بناء على أن هذه حياته وهو المسؤول الأول عنها، وثانيا إدراكي بأنني لا أعرف حقيقة المجريات والأحداث مثله، فمهما كان موقفي فسيكون قاصرا، وثالثا، قناعتي بأن كل إنسان قادر على إيجاد الحلول لنفسه بناء على طبيعته وظروفه وفهمه لذاته، وبأن كل ما يحتاجه هو شخص يوجه له الأسئلة المناسبة ويساعده على رؤية كل الجوانب والزوايا لتتضح أمامه الصورة، وحينها سيظهر له الحل جليا واضحا كما الشمس.

وفعلا هذا ما كان. وانتهت المكالمة بشكر عميق وامتنان من قبله، حيث اتضحت له الأمور كثيرا وأصبح تفكيره غير مشوش بالتكهنات والافتراضات. ثم كلمني بعد فترة قصيرة مبشرا إياي بأنه حسم المواضيع ووضع الحلول وشاكرا إياي بعمق وحرارة مرة ثانية، وداعيا لي بالتوفيق وبأن ينير الله طريقي كما أنرت طريقه.

نعم تعاني النساء المشاكل العاطفية والنفسية، وربما يعانين أكثر في الظروف والحدود والحواجز. ولكن ما تتمتع به النساء هو قدرتهن على التعبير عن الألم للصديقات والمعارف والأهل دون أن يخفن الحكم عليهن. هي تلك المساحة المسموحة والمقبولة من المجتمع للذهاب إلى الاستشارة، والبحث عن المساعدة الاحترافية، وحضور الدورات والبرامج وقراءة الكتب، بدون أن يحكم عليهن بقسوة بمضيعة الوقت أو الضعف.

لذلك نجد في مجتمعاتنا الرجال قريبين جدا من أمهاتهم وغرباء جدا على زوجاتهم. لأن الأم هي المخلوق الآمن الوحيد الذي بإمكانه إظهار ضعفه أمامه وكله ثقة بأنها ستظل تحبه وتراه الأفضل. ولكنه يغفل عن أن الأم ليس بإمكانها إعطاؤه ذلك الإحساس بالاحتواء والحميمية العاطفية الذي باستطاعة الحبيبة فقط إعطاءه. وهو حين يهرب لأصدقائه وشلته في محاولة لتمضية الوقت ونسيان الهموم، أو الانغماس في العمل والسعي بشراسة نحو المزيد من النجاح العملي، إنما يزداد غربة عن نفسه، ومن كان غريبا في نفسه كان غريبا على كل الحياة.

أتذكر إحدى صديقاتي التي كانت قصت علي كيف أن قريبا لها يستشيرها في الكثير من الأمور، وتطور الأمر حتى أصبحت تستمع لمشاكل أصدقائه وتخبره كيف بإمكانهم أن يتصرفوا وما هم ربما بحاجة إليه. ما أريد قوله هو يا أيتها الأخوات:

البنات، والزوجات، والقريبات، تصادقن مع آبائكن، وإخوانكن، وأزواجكن، وأقربائكن. أعرنهم أذنا صاغية بدون التسرع للحكم واتخاذ المواقف، وأشعرنهم مع الوقت بالأمان لإظهار شخصياتهم الحقيقية البسيطة ومشاركة تطلعاتهم وأحلامهم ورغباتهم.

وأنت أيها الرجل عليك بالتمهل قليلا والتفكير والتأمل في حياتك. حان الوقت لتكف عن إلقاء اللوم على النساء والظروف والمسؤوليات. حان الوقت لتخصص وقتا لنفسك وتعمل على اتخاذ خطوات عملية لمعرفتها، وتطويرها، والأهم تقبلها وعيش الحياة بالطريقة التي تلائم طبيعتها الأصلية. فكل مشاكل البشر رجالا ونساء تبدأ من نقطة الغربة مع الذات واتباع المفروضات، وكلها تنتهي حين نبدأ في معرفتها، لنفتح لأنفسنا طرقا جديدة، ونصنع مزيدا من الخيارات.