الجامعات والدور المنشود

الأربعاء - 18 أبريل 2018

Wed - 18 Apr 2018

ربما لاحظ أغلب الأكاديميين والمهتمين بالتعليم العالي ما تم تداوله مؤخرا حول تقسيم الجامعات في النظام الجديد إلى ثلاثة أقسام: جامعات تطبيقية، جامعات تعليمية، جامعات بحثية.

ولست هنا بصدد تأييد النظام الجديد أو الاعتراض عليه بقدر ما أود الإشارة إلى الممارسة التي ينبغي أن تمارسها الجامعات بمختلف تصنيفاتها في المستقبل.

أبرز ما ينبغي أن تركز عليه الجامعات في نظري هو بناء المجتمع والاقتصاد المعرفي، وأهمية ذلك في تحقيق رؤية 2030م.

فالجامعات البحثية على سبيل المثال ينظر لها عالميا على أنها المسؤولة عن التطوير الاقتصادي المبني على الابتكار في المدينة التي تتواجد بها.

في 2004م طور الباحثون بمعهد MIT بمفرده 133 براءة اختراع، خرجت منها 20 شركة ناشئة!

ولكن لم يتحقق لهم ذلك إلا بعد أن صرفوا 1.2 مليار دولار على الأبحاث العلمية المدعومة التي خرجت بهذه النتائج.

وعلى الرغم من هذه التكلفة التي قد يراها البعض باهظة وباهظة جدا، إلا أن الأثر الاقتصادي انعكس على مخرجاتهم بعد حين، حيث أسس خريجو معهد MIT ما يتجاوز 4000 شركة ناشئة، وساهموا بتوظيف 1.1 مليون شخص، وباعوا منتجاتهم الابتكارية لكل العالم بقيمة تتجاوز 232 مليار دولار.

وهكذا فعلت جامعات أخرى كهارڤارد وبوسطن وغيرهما، حيث قامت هذه الجامعات بخلق صناعات متنوعة وأسواق جديدة لخدمات ومنتجات خرجت من رحم البحث العلمي الابتكاري، كالتقنيات الحيوية وتقنيات الدفاع والأمن وغيرها.

إن على حكومتنا الرشيدة اليوم أن تستثمر مبالغ ضخمة (Public Fund/الدعم الحكومي) في الأبحاث الابتكارية في الجامعات البحثية، شريطة أن يكون هذا الدعم متماشيا مع الاحتياج في الأسواق، وبالتناغم مع القطاع الخاص مبنية على حاجة السوق أو يحل مشكلات حقيقية في الحياة، الأمر الذي سيخلق لنا منتجات محلية ذات أثر اقتصادي وسيساهم في زيادة المحتوى المحلي.

والأهم من ذلك هو الإشراف المباشر والكامل على كل الخطوات والمراحل التي يمر بها البحث الابتكاري والمتابعة الدائمة من قبل أشخاص خاضوا التجربة من قبل ويعلمون وعورة الطريق وحجم وكمية العقبات التي ستواجه الأكاديمي الإنتربنور من الأبحاث إلى السوق.

أحد النماذج المبتكرة لهذه العلاقة بين الجامعات والقطاع الخاص هو ترخيص التقنيات لشركات القطاع الخاص لتأخذ مخرجات البحث العلمي إلى الأسواق المحلية والعالمية، الأمر الذي قد ينتج عنه مصدران للابتكار والملكية الفكرية منبعين للابتكار، كما ذكر برونز لويس في 2013م عن العلاقة بين جامعة أكرون وشركة تايمكن.

إن من أكبر المشاكل التي نعانيها اليوم في جامعاتنا بقاء الأكاديمي في جامعته في منطقة الراحة (Comfort Zone)، والتي تتلخص في قيامه بمهام التدريس والنشر العلمي فقط دون أن يكون لأبحاثه أثر على البشرية!

ومن هنا تأتي أهمية ترخيص التقنيات أو تطعيم أودية التقنية والفرق البحثية برواد ورجال أعمال من القطاع الخاص، فليس من الممكن أن نطلب من كل أكاديمي باحث أن يصبح رائد أعمال!

والجامعات في الخارج لم تحقق ما حققته إلا من خلال استقلاليتها وحرية مجالسها الداخلية في إقرار استراتيجياتها والمجالات البحثية التي تركز عليها وعلاقتها بالقطاع الخاص، بما يحقق لها عوائد مالية تضمن بقاءها ويغير العالم من حولها للأفضل! وهذا ما بدأنا نسمعه ونستبشر به حول نظام الجامعات الجديد المرتقب.

وإذا انتقلت للحديث عن التدريس أو التعليم في الجامعات التطبيقية كما تسمى في النظام الجديد، فمن المفترض أن يتم التركيز فيها على منح المهارات للطلبة وليس منح الشهادات.

وينبغي لكل طالب جامعي - يريد أن يكون إضافة لمجتمعه ووطنه وأن يعيش حياة كريمة بعيدا عن صداع البطالة والعطالة- أن يقول لأستاذه: امنحني مهارة، لا تمنحني شهادة.

في أمريكا تستقطب كليات المجتمع 7 ملايين طالب سنويا، وتعلم الطلبة مهارات يحتاجها سوق العمل الآن وفورا كالبرمجة والتصميم والتصنيع، وزاد الإقبال على هذه الكليات 75% بين عامي 1979 و2009.

كما خصص أوباما في فترة حكمه 8 مليارات دولار على تدريب الطلبة في كليات المجتمع على مجالات: الرعاية الصحية، التصنيع المتقدم، مهارات العلوم، النقل.

التركيز في الجامعات التطبيقية على موضوع المهارة سيفيدنا كثيرا في بناء جيل من القوى العاملة المتمكنة في مجالات محددة وسيلبي الاحتياج اللازم لاستدامة الاقتصاد المبني على الابتكار.

وطننا يتجه بسرعة فائقة نحو تحقيق رؤية 2030م في جميع القطاعات والمجالات، بقي فقط أن ندرك جميعا أن الجامعات منبع الشباب، وهي المصدر الرئيس لدعم هذه الرؤية بالعقول والكفاءات.

يجب أن يستوعب كل مسؤول في جامعة وكل أكاديمي في تخصصه وكل طالب في قسمه دوره المهم في خلق المعرفة وبنائها ورعايتها وحمايتها وتسويقها وبيعها والتجارة بها.

Fawaz1Saad@