مرزوق تنباك

سلوك ظاهره الاتفاق وباطنه النفاق

الثلاثاء - 17 أبريل 2018

Tue - 17 Apr 2018

الظروف التي يعيشها الناس مملوءة بالأضداد والاختلاف، مما يجعل الآراء ووجهات النظر تتعدد بتعدد أغراض البشر وآرائهم، حتى إنه يكاد يكون لكل شخص رأي يعبر عنه وموقف مما يحدث حوله وما يمس حياته ويؤثر في متطلباته، سواء كانت هذه المطالب شخصية أو عامة، يشاركه غيره هموم الحياة ومشاكلها، وقد يختلف مع من يجاوره في الحي وفي الوطن، لأن الثابت هو الاختلاف وليس التوافق، ومساحة الاختلاف واسعة جدا وطرقه ممتدة والسير فيها مشروع في القوانين والأنظمة.

والسياسات الاجتماعية تبحث عن المشتركات الممكنة مع بقاء شيء من استقلال للإرادة الفردية، حيث يبقى للفرد رأيه في إطار مجموعته التي ينتمي إليها. وقد توصلت الديمقراطية إلى بعض الحلول لاختلاف الرأي حينما يحتكم في أمر الخلاف إلى صناديق الاقتراع، وفي السياسة يعد الاختلاف مشروعا ومصيريا لتعلقه في الشؤون التي تهم الجميع وتطبق عليهم وتقرر فيها العلاقة بين من يتخذ القرار ومن يطالب بتنفيذه على أي حال كان، وقد يختلف السياسيون والأحزاب والجماعات وحتى أعضاء المجالس التشريعية والبرلمانات ومؤسسات المجتمع المدني، إلا أن ذلك ينتهي عندما تقول الأغلبية كلمتها الفاصلة. وعرض الآراء حق والدفاع عنها واجب يأتي تحت ما يسمى حقي في قول رأيي والدفاع عنه وبيان حجتي وقصدي وإن اختلفت معك، مقابل احترام وجهة نظرك وحقك المشروع بالدفاع عنها واحترام ما تراه وتذهب إليه.

لكن في مجتمعات الفطرة الأولى التي فطر الناس عليها التي ما زالت على سجيتها وبساطتها وتفسيرها التلقائي لما ترى وما تسمع يكون الاختلاف عندها معارضة غير مقبولة وأن يد الله مع الجماعة.

وقد يسأل المرء السؤال التالي: هل تعد وجهة النظر الأخرى معارضة أو مؤازرة؟ سؤال قد لا يكون بريئا كل البراءة، ولكنه مشروع البحث فيه والحديث عنه، ولا سيما في المجتمعات التي صممت على سماع وجهة نظر واحدة ورأي سديد واحد لا يختلف ولا يتغير حتى يتغير صاحبه الذي صممه ويأتي آخر بعده، فإن كان على اتفاق مع الرأي الأول سار به شوطا بعيدا، وإن كان مختلفا مع رأي سابقه تكون المعضلة وتضارب المصالح وارتكاس الحراك الاجتماعي وتغير مسلماته وما تعارف عليه، هذا الصنف من المجتمعات هو الذي يحكم على النوايا، ويصنف الرأي الآخر ويكيفه على أنه معارضة للسائد ومخاصمة للمتفق عليه، وبالتالي فصاحبه يجرم تلقائيا ويصنف ابتداء ويحمل عليه ما لم يخطر بباله حين أبدى رأيه وبين وجهة نظره وقال ما يعتقد ودافع عنه بطريقة العرض وليس الاعتراض.

ولو وضع الأمر في مكانه وقدرت المعارضة للسائد على أنها وجهة نظر محتملة للصواب أو للعرض وتعديل ما تهدف إليه الرؤية الأخرى، لكان هناك مندوحة من سوء الظن وتجريم المجتهد وتخطئته قبل أن تدرس رؤيته وينظر فيما أراد وما ذهب إليه.

في المجتمعات التي كيفت ثقافتها على الحوار وتبادل الآراء اختفى فيها التصنيف واختفت فيها ازدواجية الرؤية، وتعامل الناس بروح التسامح وقبول المختلف، والتكيف مع وجهة النظر المعارضة وتفهم ما تعنيه لمن لا يتفق معها فيما ترى وفيما تذهب إليه. أما الرأي الواحد والكلمة النافذة المعصومة فقد أوجدت سلوكا اجتماعيا مزدوجا ظاهره الاتفاق وباطنه الاختلاف والنفاق.

Mtenback@