محمد أحمد بابا

شيء بديل شيء ليس من الإسلام في شيء ..

الاحد - 15 أبريل 2018

Sun - 15 Apr 2018

راجعت نفسي في محاولات عديدة مر بها نشاط إعادة الناس لدينهم ومعالمه فيما دعينا إليه مما اصطلح على تسميته (الالتزام)، فكان يقال عن فلان إن ترك التدخين أو واظب على صلاة الجماعة واقتنع بأن حلق اللحية حرام فأعفاها وهجر الأغاني بأنه (التزم)، وهي كلمة أتى بها مهذبون في ذلك الوقت لتطغى على مصطلح عامي شاع وهو (فلان تطوع) ليكون كل من ظهر فيه مظهر إسلام (مطوع).

وبالفعل كنا في فترة المراهقة نستمع لمحاضرات عن من يحكي لنا قصص هدايته فيقول (التزمت في عام كذا بسبب كذا).

ودارت مجريات التعليم والتربية حينها بإقناعنا أو محاولات ذلك أن في الأشرطة الدينية بديلا عن كاسيتات الأغاني، وفي مسابقات عن أوائل من أسلم أو سيرة الصحابة بديلا عن لعب الورق، وفي التدارس للعلم بالمساجد بديلا عن قضاء الأوقات في الشوارع، فوجد بعضنا في جماعة (التبليغ) مبتغاه، ووجد آخرون في غيرها مبتغاه، وشرق الشباب والمراهقون وغربوا في مراكز صيفية يقضى فيها جل الوقت ما بين صلاة وتعليم قرآن ومسابقات في معلومات دينية وتدريب على الخطابة وشيء من (كرة قدم) قليل على استحياء.

وكانت النظرة بأنه لا بد للشيء من شيء بديل عنه، فالمسواك قيل لنا هو بديل التعود على السيجارة والدف بديل عن الوتر، والأناشيد بديل عن الغناء، والتكبير بديل عن التصفيق، والمحاضرات في حفلات الزواج بديل عن الرقص والموسيقى، وهدايا العود وكتيب حصن المسلم وشريط يخوف من النار بديل عن ساعة أو خاتم أو شيء من حلوى، ليؤسس ذلك لما كنت فيه قبل فترة من بدائل تطورت آخذة نفس المصدر ولو لم يصرح أهلها بها، فقنوات دينية بديل عن غيرها، وتطبيقات جوال فيها تسبيح وذكر بديل عن ألعاب الكترونية، وعلى ذلك فقس، ليكون كل الجهد هو ردة فعل لوجهة نظر عن (منكر) وفق ما يرون، وتنعدم الشخصية الابتدارية في نهج تنشئة مجتمع مسلم.

واليوم أقول: إن الله تعالى حين قال (ورضيت لكم الإسلام دينا) جعله دين كل شيء وكل وقت وكل مجال، وجعل له شخصية استثنائية أتت بما لم تأت به أديان قبله ليتم الله نعمته على عباده، ومن يطالع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة فترة رسالته مع أصحابه ومجتمعه حينذاك يلمس الفارق الكبير بين هدايته صلى الله عليه وسلم للحق في نصوص شعائر الدين وتركه للناس يغشون من حلال ربهم ما لا مشكلة فيه، بل له حظ من تقدير الشرع لعبا ولهوا وترويحا عن النفس، وبين ما يقوم به القوم إبان تعليمنا وتوجيهنا.

وهذا رب العزة والجلال حرم الخمر ولم يضع بديلا عنها، ولم نجد في خطابه لنا بالتحريم فلسفتنا التي نسلكها أن هذا بدل ذاك، فالدين ليس بالمقايضة، وجعله هكذا جناية على الإسلام بأسره، ودين الله بالرضا والإيمان وتهذيب النفس ثم تركها تعيش كما أراد لها الله أن تعيش في مراتب ثلاث (سابق بالخيرات ومقتصد وظالم لنفسه ربما يتوب أو يغفر الله له).

وليس معنى البديل الذي يسوقه من يريد الخير بأن المستبدل منكر ولو زعم هو ذلك، وليس معنى عدم وجود البديل أن الدين يعجز عن تلبية الاحتياج، فمقياس مطالب النفس هو دين الله لا هواها، فالله حرم وحلل ثم سكت عن أشياء والناس في ذلك أحرار وأعراف.

ومن مداخل الشيطان أن يدعم البعض الرقية بديلا للطب، والحجامة بديلا للدواء، وكلمة (جزاك الله خيرا بديلا عن كلمة شكرا) والذهاب للعمرة أو الحج بديلا عن نزهة في أي مكان في العالم، ومطالعة قناة المجد بديلا عن مشاهدة قناة أخرى، فمن التزم البدائل أضاع وقت الابتكار والابتداء.

فعذرا ألف عذر من معالم ديننا ووصايا ربنا التي قرناها بممارسة آخرين لنقدمها لهم بديلا لا مبدأ أصيلا.

@albabamohamad