لا.. لـ"يا لثارات الحسين".. ونعم.. لـ"يا لثمرات الحسين"

دمُ الحسين، دمٌ مباركٌ، وحيثما تشرّبته أرضٌ أخصبت حياةً لِأُولي الألباب، ذلك الدّم الزّكيُّ الذي لا ريبَ في طُهْرهِ، وبحسبانه غرساً طيّباً، فإنّ من شأنِ كلّ قطرةٍ مباركةٍ منه أن تُنبت سبع سنابل خضر زاكيةٍ، وفي كلّ سنبلةٍ منها مئة ثمرةٍ وثمرة.

دمُ الحسين، دمٌ مباركٌ، وحيثما تشرّبته أرضٌ أخصبت حياةً لِأُولي الألباب، ذلك الدّم الزّكيُّ الذي لا ريبَ في طُهْرهِ، وبحسبانه غرساً طيّباً، فإنّ من شأنِ كلّ قطرةٍ مباركةٍ منه أن تُنبت سبع سنابل خضر زاكيةٍ، وفي كلّ سنبلةٍ منها مئة ثمرةٍ وثمرة.

الخميس - 06 فبراير 2014

Thu - 06 Feb 2014



دمُ الحسين، دمٌ مباركٌ، وحيثما تشرّبته أرضٌ أخصبت حياةً لِأُولي الألباب، ذلك الدّم الزّكيُّ الذي لا ريبَ في طُهْرهِ، وبحسبانه غرساً طيّباً، فإنّ من شأنِ كلّ قطرةٍ مباركةٍ منه أن تُنبت سبع سنابل خضر زاكيةٍ، وفي كلّ سنبلةٍ منها مئة ثمرةٍ وثمرة.

وإنّ في دم الحسينِ لحياةً لِمن ألقى السمعَ وهو شهيد.. قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تُستفتَى: «الطائفيّةُ» الملتاثةُ بجورِ سياسيٍّ لم يعِ بعدُ أنّ الأمةَ كلّها قد أحبت: «حسيناً» وأنزلتْهُ المنزلةَ الحقّة التي تليق بمن جاءت نصوص الوحيين كلّها لتجعل من حُبّه إيماناً وفي الذّب عن عرضه جهاداً فيما كان: «النفاقُ» نصيباً مفروضاً لِمن أوصدَ قلبَه عن حبِّ الحسين!

وما ثَمَّ قلبٌ يُمكن أن يوصفَ بـ»الإيمان» إذا ما اسودّ بحبِ «يزيد». قال ابن حنبل لابنه عبدالله: «يا بني.. وهل يُحِبُّ يزيدَ مؤمنٌ»؟!

فيا لثمراتِ الحسين، عطاءً من عدلٍ غير مجذوذٍ، وسلسبيلاً من ماء شهيدٍ يهبنا الحياةَ بمذاقِ الخالدين. أوليسَ الطّفُّ ترياقاً لحياةٍ تأبى الضّيم مذلةً وهواناً؟ وإذن فما كان لهذا الطّفِ أن يكون سُما لوأد حياةٍ بذنب تأريخٍ قد أمعنَ في قتلنا ألف مرةٍ ومرّة.

كلا.. لا يمكنُ أن يجتمع في قلبٍ مؤمنٍ: «حبُّ الحسين» و»حبُّ استشراف الثأر»، إذ هما ضدان لا يجتمعان، في حين يخلق الأخير فيهما «ظُلمَاً» يتنافى وما تأسست عليه مدرسة «شهادة» الحسين المشمولة بمنهجِ جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكة.

وأيّاً يكن الأمرُ.. فستبقى «الثارات» لغةً خشبيّة بمفردات بوهيمية لمنطقٍ سافرٍ من الظلم العاتي، ولسوف تحكيها سيوف يزيد عاماً إثر عام.. إذ هي لا تُحسن غير جزّ للرؤوس تِباعاً، ثم لا تلبث أن تعيد فينا «الكسرويّة» المقيتة، هدياً بالغ الكرسي ببطشٍ واغتصاب.. فيما يظلّ «أبو عبدالله الحسين» منارة إشعاعٍ يًستضاء به الدهر كلّه، وحينها تكون الشهادةُ ثماراً تورق بالعدل بينما جذورها تضرب في عمق حقٍّ يأتي عنوانا لِنصرةٍ تأتي -هي الأخرى- على رسم النبّوة بوصفها «رحمة للعالمين»، ذلك أن: «الثارات» لغةً ومعنىً ليست سوى فتنةٍ من شأنها الأشِر أن تلتهم بحرائق طُغيانِها الأمة كلّها لتُذيق بالتالي بعضنا بأس بعضٍ.. فالثارات -يا مَن أحببت آل بيت النبي- إن هي إلا توكيد لمعنى الإلباس شيعاً يتمُّ التحريض عليها في بعد طائفيٍّ مقيتٍ يقتضي برعونة منهجهِ: إشاعةَ الفرقة التي تأبى إلا أن تأخذنا جميعنا -وعلى حين غفلةٍ حزبيّةٍ- إلى حيثُ هلاكُ التنازع المستديم، فالفشل وذهاب الريح سيأتي بالضرورة -القرآنية- تالياً باعتباره مُنتَجاً لعدوانٍ لا بد وأن يُثمر هذا.. بل وما هو أسوأ من هذا بكثير.

ولئن ارتفعت رايات: «الخلافة بعدي ثلاثون...» فإن ألوية رايات الطرف الآخر معقودٌ عليها «حديث الغدير» وما بينهما ليس فراغاً، بل سواد يقبعُ فيه «السياسي» بلسانهِ الذّرب قذارة وبعقليّتهِ الانتهازيّةِ نتانةً، إذ يكمن هذا السياسي -بحسّه الشيطاني- حيث التفاصيل التي تهبه القدرةَ على التّلبس بالديني، حتى إذا ما خدعنا بمكرِهِ استطال بغيّه كرةً أخرى وبمعونةٍ من ذيلِ بغلتِهِ فتمهّد له الطريق ثانيةً ليُعمل في جدار الأمة معاول خرابه، فهو مَن قد هان عليه شأن الأمةِ كلّها ما سوّغ له -بالتالي- مشروعية الاستثمار البغيض لمقالة «الخلاف شر» فيعلنُ بالتالي استحكامَ استبداده بمنطقٍ يتكئ فيه على الخطاب الشرعي الذي لا يجد أدنى غضاضةٍ من الاشتغال على تفسيره بالمعطى التاريخي الذي هو من صنع رواته ودوّنه بمعيّة وعّاظهِ، يفعل كل ذلك بتعويله ثانيةً على ما كان عليه الفريقان من استدعاءٍ لـ»الثارات» كلّ وفق مشهدٍ يَختاره لهم بحيث ينتزعه من سياقاته التاريخية لتنتهي تلك المشاهد بخاتمةٍ لا تفارقها غالباً تلك الصورة الشائهة التي لا يُمكن لها أن تنفكّ عن حال كلّ فريقٍ وليس لهم من شغلٍ سوى العمل الدؤوب على حدّ كلّ ما يمتلكونه من شفرات/ السكاكين تأهباً لحفلةٍ جماعية تُذبح فيها الأمة من الوريد إلى الوريد. وما ثَمَّ خاسرٌ إلا الإسلام.

لم يكن القرآن ليعرفَ عنايةً من بعد توكيده على مقاصد الشريعة الكبرى إلا وكانت العناية بـ»وحدة الأمة» لها النصيب الأكبر، وما من شكّ في أن الإخلال بوحدة الأمة يعدّ من نواقض التوحيد.

ولئن لم تكن «ثورة الحسين» مشروعاً سامياً/ سلميّاً يأخذنا باتجاه هذه الوحدة القرآنيةِ فإنّ «يزيد» ما كان سوى سيف فرقةٍ قد نقبلُ -بادي الرأي- من أتباعِ «فكره» رفعَ ألوية (يا للثّارات)، إذ إن فقه ثورات الاغتصاب بدعوى «الغلبةِ» هو الذي يؤسس لطغيانٍ تمكن على فتراتٍ تأريخيةٍ متباعدة من إفرازِ مثل صيحات «الثّارات» التي لا تُنتجُ في الغالب إلا مزيداً من دمٍ يتجدّد سفكهُ دون بيّنةٍ أو برهان. وحاشا «حُسيناً» أن يُطاول منهج جهاده -في استرداد الحق- نزقٌ همجيٌّ تتغوّل فيه «الثارات» التي تنطوي على حقدٍ سافرٍ، قلوب «الحُسينيين» منها براء.. وما هذه الصيحات: «يا لثارات» إلا وهي أليق ببقايا: «جاهليّة» قد قضى عليها جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أن كفّ عن الطلقاء ولم يُثرّب عليهم.

حسينيٌّ أنت.. إذا ما هزمتَ السيفَ بدم «الشهيد».. ومُحبٌّ أنت إذا ما أعلنت في الأمة أن استشهاد الحسين لم يكن سوى شجرةٍ تثمر هدياً على رسم النبّوة يكون من شأنه أن يعيد فينا إسلام الجيل الأول.

وليس بخافٍ على مثلك، أنّ عهد الله لا يناله الظالمون.. في حين قد تجد نفسك باستدعاء «الثارات...» بأزٍّ من شيطان «التاريخ وحزبه» خارج مقتضى الحسينية، وإبّانها ستكتشف بأنك: ما أنت بذلك المحب الذي تظن نفسك عليه.. ذلك وأنّ مِن معاني «الشهادة» التي كانت علما في «رأس الحسين» أن تبقى إرثاً تُحدث سلاما وتجعل من التاريخ منهجية أمةٍ قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.

ما بقي لي.. سوى التوكيد جازماً على أنّ المَدى الذي عليه شعار: «يا لثارات الحسين» قد انبعث صداه المتجهم الغاضب من قعر تجربة تاريخية خارجةٍ على قانون «العدل/ والرحمة»، إذ ليس من شأنها العنايةَ بصناعةِ مستقبلٍ يليق بالذي من أجله كان استشهاد «الحسين..». فيما تتألق نورانيّةً أبعاد نداءات: «يا لثمرات الحسين» من وعيٍ رساليٍّ، حقيقٌ عليها أن تكون صوتاً خالدا لا تفتأ تضرب في عمق جذر استشهادٍ، تتجلى رمزيّتُهُ في كسرِ كلِّ قيدٍ كُبّل فيه حاضرنا، عسى أن نُقيلَ بذلك عثاراً صاحبنا قروناً طويلة وحالَ دون مستقبلٍ يستشرفه المحبون -مولاةً ونقاءً- من العقلاء في كلا الفريقين وهم كثيرون..