الصناعة الحقيقية ما يكون هدفها التصدير

الجمعة - 13 أبريل 2018

Fri - 13 Apr 2018

ليس صحيحا أن التقدم والتأخر ناتجان عن وفرة أو ندرة في الموارد الطبيعية، فأكثر الدول تقدما الولايات المتحدة واليابان، وهما على طرفي النقيض تماما، ففي حين تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بالوفرة في كل مصادر الموارد الطبيعية تقريبا، لا تكاد تتمتع اليابان بأي شيء من هذه الموارد، وهذا يؤكد أن أساس التقدم والرخاء شيء واحد فقط وهو «الصناعة» فهي قاطرة أي تنمية حقيقية في أي بلد، حيث تعمل على تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء، وتقليل معدل البطالة الحالي، وتأمين فرص عمل للأجيال المقبلة، ومن هنا فإن دعم القطاع الصناعي والارتقاء بمستوى الصناعات الموجودة يجب أن يكون من الأهداف الأساسية لأي سياسة تنموية شاملة.

إن منظومة الصناعة ليست كلاما أو أحلاما، ولكنها منظومة متكاملة، لذلك لا بد من اجتماع كل الوزراء المعنيين بتطوير الصناعة للعمل على حل المشاكل التي تواجه الصناعة، فليس من المعقول أن الدولة تخصص 200 مليار ريال للتعليم في عام 2017 ولا يتناسب الخريج مع سوق العمل، فعلى سبيل المثال بلغت نسبة خريجي المؤسسـة العامة للتدريب التقني والمهني الذين لا يزالون خارج مقاعد العمل والتعليم 37.15% من إجمالي عدد الخريجين للعام 2016، بحسب التقرير السنوي 1437 - 1438 للمؤسسة، و60% من الخريجين التحقوا بسوق العمل في القطاع الخاص، فيما لم تتجاوز نسبة الملتحقين في القطاع الحكومي الـ0.7%، بينما قرر 2.15% من الخريجين إكمال دراستهم، لم يعد السؤال الآن عن فشل المؤسسة، وإنما عن كيفية تقييم هذا الفشل بصورة متزنة، فالتخصصات التقنية والهندسية في كل الدول المتقدمة واحدة ومتشابهة، وليست بحاجة إلى اجتهادات خاصة أو اختراع العجلة من جديد، ففي المجال التقني لا يوجد خريج لكل آلة، ليكون جاهزا مباشرة 100%، فهناك عدد لا يمكن حصره من المهام والمهارات، وإنما دور الكليات التقنية أن تجهز متدربا لديه المهارة الكافية لسرعة تكيفه مع أي عمل قريب من تخصصه مستقبلا.

إن الحل الأمثل لتحقيق نهضة صناعية هو إنشاء صناعة موجهة للتصدير، فالصناعة التي لا يرجى من ورائها تصدير محكوم عليها بالموت قبل أن تبدأ، فلك أن تعلم أن دولة مثل كوريا الجنوبية حققت نهضة صناعية كبرى في وقت قصير من خلال إنشاء صناعات موجهة للتصدير وليس للاستهلاك المحلي، فقد استطاعت كوريا بفضل اتباع سياسة التوجه للخارج وتشجيع الصناعات الموجهة للتصدير زيادة حجم الصادرات من 60 مليون دولار عام 1962م إلى 254 مليار دولار عام 2004م، وارتفعت احتياطات كوريا من العملات الأجنبية من 8 مليارات دولار عام 1998م إلى 199 مليار دولار عام 2004، و305 مليارات عام 2011م. وتتبوأ كوريا المركز العاشر على مستوى العالم من حيث حجم الصادرات، والمركز الحادي عشر من حيث حجم الواردات، وحقق الاقتصاد الكوري عام 2004م فائضا في الميزان التجاري بلغ 29.75 مليار دولار، و48.4 مليار دولار عام 2010م. ونتيجة لذلك زاد إجمالي الدخل القومي الكوري من 2.3 مليار دولار في سنة 1962 إلى 680.1 مليار دولار في عام 2004م، وارتفع إلى 1007 مليارات دولار أمريكي عام 2010م.

إن تقليد الدول المتقدمة والاستفادة من مراحل تطورها ليس عيبا، بل على العكس تماما، فلك أن تعلم أن ماليزيا في السبعينات قلدت اقتصادات النمور الآسيوية الأربعة (كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة)، وألزمت نفسها بالانتقال من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى اقتصاد يعتمد بصورة أكبر على التصنيع، وحققت ماليزيا باستمرار معدل نمو محلي إجمالي أكثر من 7%، واليوم تعد واحدا من أكبر مصنعي الأقراص الصلبة الحاسوبية، ولعل من أوجه التشابه بين بلادنا وماليزيا هو أن كلا البلدين عدد سكانه يقترب من 30 مليونا، ويعتمد على قطاع واحد، فالسعودية تعتمد على النفط كمورد أساسي للاقتصاد، وماليزيا كانت تعتمد على الزراعة فقط، ولكنها بعد ذلك اتجهت إلى الصناعة بقوة لتتحول من معدل فقر يصل إلى 70%، إلى بلد معدل الفقر به نحو 5% فقط، وليزيد دخل الفرد السنوي من 350 دولارا ليصبح في الوقت الحالي أكثر من 18000 دولار.

لكن أثناء رحلة تطورنا يجب علينا ألا نقع في «فخ» الصناعة الوهمية، وعلينا أن نفرق بين القيام بتجميع بعض الصناعات في بلادنا من أجل الحصول على الدعم الذي تقدمه الدولة للصناعة أو على الأقل الهروب من الجمارك، وبين الصناعة الحقيقية، فعلى سبيل المثال تم إنتاج سيارة ‹›إيسوزو›› كأول سيارة يابانية من هذا النوع تصنع في السعودية بشكل مفاجئ دون أي مقدمات، وهذا الأمر يطرح عدة تساؤلات، منها: هل هي صناعة سعودية لمجرد أن تم تجميعها في بلادنا؟ أو حتى إذا تمت صناعتها بالكامل في مصنع أغلبية العاملين والفنيين فيه غير سعوديين، فهل مجرد نقل مصنع من مكان ما من العالم إلى بلادنا يعطينا الحق في أن نضع على منتجاته عبارة ‹›صنع في السعودية›› رغم أن المساهمة الوطنية تتمثل فقط في موقع المصنع؟

إن أي نهضة صناعية يجب أن تقوم على أشياء نمتلك فيها ميزة نسبية، فمن الممكن أن تتميز بلادنا في صناعة الخلايا الشمسية إذا ما اشترت تقنية هذه الصناعة، خاصة أننا نتمتع بميزة ليست لدى الدول التي تنتج هذه الخلايا وهي وفرة رمال «السيلكون» التي تستخدم في هذه الصناعة، ومن الممكن أن نتميز في صناعة الرخام بدلا من تصديره حجارة للصين بتراب الفلوس، ومن الممكن أن تكون بلادنا مركزا إقليميا في صناعة الأسماك إذا ما تم إنشاء مزارع سمكية في البحر الأحمر والخليج العربي، ومن الممكن الكثير.

وأخيرا وليس آخرا، هناك حاجة ماسة لإنشاء صناعة حقيقية من أجل التصدير، وليس من أجل الاستهلاك المحلي، خاصة في الأشياء التي نمتلك فيها ميزة نسبية لتنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد على النفط فقط، بما يعود بالنفع على أبنائنا وأحفادنا.