عبدالله العولقي

الصناعة الإبداعية في مملكة المعرفة

الخميس - 12 أبريل 2018

Thu - 12 Apr 2018

الصناعة الإبداعية هي السلعة أو الخدمة المرتكزة على دعامتي رأس المال الفكري كقيمة، والإبداع كمضمون وفكرة، بحيث تستخدم الدعامتان كمدخلات أولية وكميزة تنافسية، فالصناعة الإبداعية هي المحرك الأساس للنمو الاقتصادي العالمي، ولتوفير فرص العمل اللازمة للمجتمع والمواءمة لاحتياجات السوق، كما أنها تمثل طريقة مبتكرة ومستدامة في تنويع مصادر الدخل الوطنية ودعم القطاعات الصناعية الأخرى.

الصناعة الإبداعية لا تختزل ذاتها في مفهوم الصناعة فحسب، بل يمتد نطاقها ليشمل كل أنماط الثقافة والفنون والحرف المهنية والمسرح والسينما والنشر المعرفي التقليدي والالكتروني، وقد أضحت اليوم علامة فارقة بين مجتمعات العالم المزدهرة ونظيراتها المتأخرة، فهي الجزء الأسرع في الاقتصاد البريطاني مثلا، وكذلك العلامة التجارية الأهم في أوروبا، بينما تقدر مساهمة الصناعة الإبداعية بنحو 8% من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة الأمريكية.

الأنظمة الاقتصادية الحديثة تتأسس على المعرفة والأفكار، بمعنى أن تتحول المعرفة الضمنية إلى معرفة مجربة وملموسة، وهذا ما نجده اليوم في رواج التجارة الالكترونية المتأسسة على نمطي المهارة والفكرة، وبالمقابل نشهد بالتدرج خروج بعض الصناعات التقليدية العارية من الإبداع التنافسي، وبالتالي أضحت ثروات العالم الأول واقتصاداته مرتكزة على المعلومة وليس على التصنيع، فالاقتصاد البريطاني مثلا يعتمد على قطاع الخدمات المبينة على نظام ضخم من المعلومات المعرفية، فلم تعد الصناعات التقليدية محور ارتكاز للاقتصادات الوطنية كما يتوهم البعض، ويبدو هذا جليا في شركات عوالم التقنية كمايكروسوفت وسامسونج وأبل التي أصبحت المعرفة الضمنية وصناعتها الإبداعية جزءا أساسيا من اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الاقتصاد الأضخم في العالم كما هو معروف.

ولتدعيم الصناعة الإبداعية وتأسيسها في المجتمعات لا بد من تيسير الوصول إلى الأسواق العالمية من خلال إقامة الشراكات الوثيقة مع الدول الرائدة، وهذا ما لمحناه من القيمة الاقتصادية التي منحتها الشراكات العملاقة التي أقامها سمو ولي العهد مع الشركات الأمريكية الرائدة في مجالات التقنية والصناعة والترفيه، وهذا سيوفر للمملكة في المستقبل القريب بنية تحتية قوية معتمدة على مفهوم الصناعة الإبداعية.

إن الصناعة الإبداعية تنشط وتنمو مع المدن الذكية، ولعل إنشاء مشروع نيوم العملاق في غرب المملكة سيسهم بقوة في تفعيل فكرة الصناعة الإبداعية كاقتصاد معرفي، كما أن الفعاليات الثقافية والإبداعية المنظمة من قبل هيئة الترفيه والمتناغمة مع الرؤية الوطنية ستلعب أدوارا بارزة في جذب أفواج من سياح الداخل والخارج كقوة سياحية جاذبة تساعد في تنويع مصادر الدخل الوطني وهذا جوهر الرؤية الوطنية.

كما أن الاهتمام الحكومي المتعاظم في مجال السياحة والآثار سيمنح الصناعة الإبداعية في المملكة أبعادا قوية واقتصادا مزدهرا، ولا سيما أن الآثار الوطنية في جغرافيا الجزيرة العربية ذات قيمة حضارية وإنسانية مهمة، ولا تزال مجهولة لكثير من السياح المهتمين بعالم الآثار في العالم، وقد بدأت بوادر النهضة السياحية في المملكة تعطي ثمارها بالبرامج السياحية الجديدة والحيوية التي تقيمها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عبر إصدارها أخيرا الفيز السياحية للسياح الأجانب، وكذلك تقديمها حزما رائعة من البرامج السياحية للزوار، وبالتالي فكل ذلك يعد رافدا قويا وحيويا للصناعة الإبداعية في مملكة المعرفة.

كما أن اهتمام سمو ولي العهد بالصناعة الإبداعية وتأصيلها كثقافة اجتماعية بين فئات المجتمع في مملكة المعرفة سيؤسس هوية إبداعية ومعرفية لمؤسسات الدولة بدلا من التقليدية الروتينية، عبر احتضان الموهبة الإبداعية الوطنية ورعايتها وصقل تجربتها لتكوين جيل من المبدعين والرواد عبر الهيئات الوطنية الراعية لهم كمركز الملك سلمان للشباب الذي قدم نماذج وطنية رائدة، ومؤسسة مسك التي أثبتت رغم عمرها القصير وحداثة تجربتها قدرتها على احتضان الطاقات الشبابية وتذليل العقبات أمامهم. وفق الله ولي عهدنا في مشروعه العظيم.