عبدالله العولقي

العراق بين الدمار والإعمار

الجمعة - 06 أبريل 2018

Fri - 06 Apr 2018

لا شك أن أكثر وأشهر عبارة تم تداولها في الإعلام العربي والأجنبي بعد مؤتمر الكويت هي المقارنة المنطقية بين المملكة العربية السعودية التي ساهمت بمليار ونصف المليار دولار كمنحة إنسانية للشعب العراقي الشقيق، نظرا لما يعانيه من أوضاع اقتصادية متدهورة، وبين نظام الملالي الذي لم يقدم للعراق دولارا واحدا رغم ادعاءاته المضللة والخادعة بمساعداته الوهمية. ومن هذه المقارنة التاريخية اتضحت الصورة بجلاء لدى الشعب العراقي حول من يقدم له العون والمساعدة في محنته وظروفه الاقتصادية، وبين من ينهب ثروات بلاده ويغرقه في المناطقية والتطرف والدمار.

كثير من المحللين والمراقبين للشأن العراقي لم يتساءلوا عن غياب الدعم الإيراني في العراق لتيقنهم الجلي أن نظام الملالي بعبثيته المضللة بات متخصصا في نهب ثروات البلدان التي يقتحمها بواسطة أذرع الخونة الذين يستزرعهم داخل أوطانهم كحاضنة اجتماعية لأجندته وغطاء شعبي لممارسة التحريض بين فئات الشعب وتمرير تدخلاته اللاشرعية في الحكومة، فباتت آليته الممنهجة واضحة في تغذية الطائفية والمناطقية وتفقيم الخلافات الوطنية بين الشعب من خلال استعمال أسلوب فرض الواقع عن طريق العنجهية العسكرية، أو استخدام القوة الناعمة في وسائل التواصل الالكترونية لأجل تقسيم الأوطان وتشكيل الانعدامية في التجانس الاجتماعي بين طبقات الشعب، كي يضمن الملالي عدم عودة هذه البلاد إلى عروبتها وأصالتها فيتسنى له نهب الثروات والخيرات.

خرجت بعض الأصوات العراقية المارقة تستنكر أن المبالغ المقدمة في مؤتمر المانحين لا تكفي لإعمار العراق، وكان الأولى بها أن تستنكر على محتلها ـ الملالي ـ الذي لم يمنح العراق دولارا واحدا، أو ربما كان عليها أن تستنكر على حكوماتها المتعاقبة منذ الانهيار الصدامي في بغداد مصير مبالغ المبيعات النفطية، لأن بعض الدول والحكومات في العالم أحجمت عن تقديم أكثر مما قدمته للعراق، متسائلة عن الضمانات الرسمية التي يجب على الحكومة العراقية توفيرها للداعمين لتعزيز الثقة بمستقبل الاستثمارات والمنح المقدمة، خصوصا بعد تغلغل الفساد وانعدامية الأمن والاستقرار في العراق.

إن انعدامية النزاهة والشفافية للواجهة العراقية أمام الرأي العالمي أو العربي، سواء في الانتخابات البرلمانية الحكومية أو في حقيقة تقارير وزارات «المالية والاستثمار والاقتصاد»، جعلتها في مأزق كبير تجاه شركات الاستثمار العالمية التي عزفت عن التعامل مع حكومات بغداد المتعاقبة، فمن المعروف أن المستثمرين يهربون من البلدان التي يستشري فيها الفساد ويتلاشى الأمن وتنعدم الضمانات تجاه استثماراتهم.

العراقيون يدركون أن بلادهم تتربع على ثروة نفطية تعتبر من الأعلى في الاحتياط العالمي، ولكن سوء الإدارة والفساد اللذين اجتاحا بلادهم بسبب التدخلات الإيرانية المستفزة لهم جعلاهم في هذه الدرجة من السوء، بحيث تنعقد المؤتمرات الدولية لجمع الأموال وإعادة إعمار بلادهم، وهم يدركون أيضا أن الحكومات المتعاقبة على بغداد وعلى رأسها حكومة نوري المالكي السابقة قد نهبت من ثروات البلاد ومقدراته أضعاف المبلغ الذي تطلبه حكومة بغداد الحالية!

كل التقارير الاقتصادية العالمية تشير إلى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة حدث للخزينة العراقية تسرب مالي ضخم بمئات المليارات الدولارية من عائدات النفط المبيعة بصورة عشوائية، وربما بعيدا عن أعين وحسابات الحكومة، وقد حدث أغلبها في حكومة نوري المالكي الذي حول العراق العظيم إلى ولاية من ولايات طهران، وفي ظل صمت أوبامي أمريكي عجيب حينها، فلم يحدث في التاريخ السياسي الحديث لدولة ذات سيادة وطنية ما حدث للعراق حينها من نهب لمقدراته واختلاس لخيراته.

لا توجد وصفة ناجعة للأوضاع العراقية اليوم إلا ببتر الأيادي الملالية عن بغداد العروبة وعودة العراق إلى حاضنته العربية الأصيلة، وعودة النسيج الاجتماعي العراقي إلى طبيعته التاريخية المعهودة من التلاحم والتجانس الشعبي ضد أي مستفزات طائفية أو مؤججات مذهبية أو مناطقية، ومن ثم عودة الكفاءات الوطنية النزيهة من مهاجر الدنيا إلى مناصبهم الملائمة لهم في وطنهم، وحينها لن يحتاج العراقيون أبدا إلى مؤتمرات دعم أو إعمار لبلادهم، بل سيساهمون مع أشقائهم الخليجيين في إعمار الدول الأخرى.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال