أحمد الهلالي

الثقافة بين مقامع الصحوة وسياج النخبوية!

الثلاثاء - 03 أبريل 2018

Tue - 03 Apr 2018

منذ ثمانينات القرن الماضي والصراع محتدم بين الصحويين والمثقفين، وكلاهما يوجه خطابه إلى طرف ثالث، ذلك الطرف الذي استطاعت الصحوة استمالته بالخطاب العاطفي، وصبغته برؤاها وألوانها، فبثت عبر خطابها إليه تشويها للثقافة ومؤسساتها وتوجهاتها حتى أبعدت المجتمع عنها، فاتخذت المؤسسات الثقافية موقع (المدافع)، ونزعت إلى فكرة (نخبوية الثقافة)، وظلت في ركن قصي عن مجتمعها، بالكاد يسمع صوتها عبر بعض المنافذ الإعلامية التي غالبا ما تكون في إطار الصراع، والمؤلم أن فكرتي (الانحراف) التي بثتها الصحوة، و(النخبوية) التي بثها المثقفون، لا تزالان تهيمنان على الثقافة.

إن عزلة المؤسسات الثقافية عن المجتمع تركت الميدان شبه فارغ للصحويين، ولأنهم لا يملكون خطابا حقيقيا ساهموا في تسطيح ثقافة المجتمع، الأمر الجلي في كثير من أجيال الثمانينات والتسعينات الميلادية، فطغيان الشعر الشعبي ومجلاته والآداب الشعبية الأخرى آنذاك لم يأت من فراغ، ولا من عدم تقبل المجتمع للأدب الفصيح، بل جاء من هيمنة الصحوة، وعزلة المؤسسات الثقافية، وخفوت خطابها المؤثر اجتماعيا.

لو تأملنا اليوم الحضور الأدبي المميز لمنطقتي (الأحساء/ جازان) اللتين لم تهيمن عليهما الصحوة كهيمنتها على بقية المناطق؛ لأدركنا تأثير الصحوة السلبي على الثقافة بصفة عامة (إبداعا/ وتلقيا)، فليس مدهشا أن يتراجع الإبداع الأدبي والفني كثيرا في مناطق هيمنة الصحوة فعليا، وليس صادما أن تجد الكثيرين لا يعرفون شيئا عن حمزة شحاته، والصبان، والثبيتي، وثريا قابل، ومحمد زائد الألمعي وعبدالعزيز مشري، والدميني، والبازعي، والأنصاري والجهيمان، وغيرهم الكثير من الأسماء اللامعة في الثقافة السعودية، فقد يعرفهم أهل مصر والعراق وسوريا والمغرب أكثر مما يعرفهم السعوديون، وليس مفاجئا أن تجد حاملا لدرجة الدكتوراه لا يزال لسانه مصبوغا بلكنة بدوية أو حضرية لم يستطع التخلص منها، لأنه منغمس في الثقافة الشعبية أكثر من انغماسه في الثقافة الحقيقية المنشودة.

إننا اليوم نشهد وعيا اجتماعيا متناميا، واهتماما بالثقافة أكثر من ذي قبل، يعود الفضل فيه إلى الانترنت الذي فتح أعين الأجيال على مصادر معرفية لم تكن متاحة، قادت إلى اكتشاف سطحية خطاب الصحوة ورجعيته، لكن هذا الوعي لم يكسر بعد سياج (النخبوية) الذي ضربته الثقافة ومؤسساتها حولها، فلا تزال الفعاليات الثقافية تعاني ضعف الحضور والتأثير، ولم يستطع المثقفون ابتكار طرق تجعل خطابهم أكثر تأثيرا، وربما تزيدهم مواقع التواصل الاجتماعي نزيفا؛ لأن الكثيرين منهم اكتفوا بمعرفات في مواقع التواصل يسوقون خطاباتهم وذواتهم من خلالها، وابتعدوا عن المؤسسات الثقافية، بل أمعن بعضهم في تشويهها والتشنيع على كل صغيرة وكبيرة فيها.

والمؤسف مع وعي أجيالنا الحديثة أن تجد رموز الثقافة والآداب العربية والعالمية حاضرة في وعيهم أكثر من حضور الرموز الثقافية الوطنية، ومن الظلم أن نعلق التهمة على مشجب الصحوة، بل هي مسؤولية المؤسسات الثقافية والمثقفين، فأفول الصحوة ترك فراغا كبيرا لا بد أن نملأه بخطاب ثقافي حقيقي، لكن خفوت حس (الهم الثقافي) لدى الكثيرين، والتشبث بخلافات شخصية على صغائر ربما يبقيان هذا الفراغ أمدا مؤلما يمتلئ بثقافات مستوردة.

أخيرا، جاءت الهيئة العامة للثقافة إحدى مخرجات رؤية 2030 ولا يزال الوسط الثقافي يترقب، ويتساءل عنها وعن رؤيتها وبرامجها، وما ستقدمه للثقافة السعودية، والأمل يحدونا جميعا أن يكون مختلفا عن السائد، وأن يكون حضورها صاخبا اجتماعيا يلامس كل الشرائح دون استثناء، فالثقافة حق مشروع للجميع، ويجب أن يأخذ كل إنسان حظه منها، ولعل أهم خطوة تتخذها الهيئة لصناعة مشهد ثقافي فاعل ومؤثر أن تحطم صنم (النخبوية) وتفتح مسارات الثقافة على مصاريعها لاستيعاب كافة الأطياف والتوجهات دون توجسات ولا وصاية.

ahmad_helali@