المثقف وانعدام الأمن القومي

حرب فيتنام الجديدة وهوية أمريكا الوطنية

حرب فيتنام الجديدة وهوية أمريكا الوطنية

السبت - 21 مارس 2015

Sat - 21 Mar 2015



حرب فيتنام الجديدة وهوية أمريكا الوطنية.

الحكومة الخفية ودولة الأمن العالمي .

سر الحروب المتواصلة للقوة العظمى الوحيدة في العالم.

عناوين عريضة تشغل الإعلام اليوم في الولايات المتحدة، ولكن لا أحد في واشنطن يريد مراجعة الأخطاء البشعة للحكومات الأمريكية المتعاقبة عندما يتعلق الأمر بالصراعات المختلفة التي انخرطت فيها.

غزو العراق عام 2003 – كما يقول أندرو باسيفيتش - فجر ثقبا في قلب الشرق الأوسط وهو أكبر الكوارث الحقيقية في عصرنا، ويكفي أن داعش أول مولود مشوه وضار يخرج من رحم الاحتلال الأمريكي.

ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد، ذلك أنه بعد 12 عاما من غزو العراق: أصبح بعض مخططي هذا الغزو والاحتلال عام 2003 هم المستشارين الأقربين للمرشح جيب بوش وحملته الانتخابية الرئاسية عام 2016.

خذ مثلا مايكل أوهانلون من معهد بروكينجز.

عندما يتعلق الأمر بالحروب الأمريكية، فإن « احتمالات النجاح جيدة دائما « لا يهم أي عام تتحدث فيه عن هذه الحروب : 2003، 2007، 2009، 2013، العراق أو أفغانستان، فإن الأمور تبدو أنها تتجه دائما في الاتجاه الصحيح.

هناك دائما التقدم دائما نحن مؤهلون بعناية.

لقد بقيت القوات الأمريكية صامدة إلى الأبد.

وهناك احتمالات جيدة أن ينجح أي غزو وأن يسحق الاحتلال قوى الظلام والاستبداد.

الشيء المدهش هنا: عاما بعد عام، افتتاحية بعد افتتاحية، أن مايكل أوهانلون لا يبدو في نهاية المطاف على الجانب الأيمن من أي شيء، وكأن الحرب مثل السحر في واشنطن.

في السنوات الأخيرة، جرى تلميع الجنرال ديفيد بترايوس -بكل السبل- باعتباره بطلا قوميا والغض عن الأخطاء التي ارتكبها في العراق.

ومنذ عام 2013، بدأ الترويج على صفحات الرأي، لفكرة أن هذه ليست سنوات من التراجع أمريكيا، ولكن من صعودها إلى مزيد من المجد كزعيم للقرن الحادي والعشرين (خط الجمهوريين يشعل حماسا مع اقتراب الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016).

ترشيد الجنون يفترض أن المثقفين يرشدون البشر إلى الصواب عبر إلقاء المواعظ في شكل مطبوع أو مرئي على شاشة التليفزيون أو من خلال ملء المناصب الرئيسية في السلطة التنفيذية.

علاقة المثقف بالسياسة في الولايات المتحدة بدأت بريئة، ففي عام 1933 وفي خضم الكساد العظيم اجتذب الرئيس فرانكلين روزفلت حفنة من الأكاديميين لصفوف السياسيين من أجل المساعدة في حل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة والتي كانت تتطلب بعض التفكير النقي، ولكن يبدو أنه مع وصول أدولف بيرلي، ريمون مولي، ريكسفورد، وغيرهم تغير المشهد الاجتماعي في واشنطن، حيث بدا المثقف وهو يحمل السيجار وكأنه يمتلك نوعا من الختم.

ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، تليها الحرب الباردة التي جلبت إلى واشنطن موجة ثانية من المفكرين، ترتكز أجندتهم منذ ذلك الوقت وحتى الآن على هذا المفهوم البارز شديد المرونة : «الأمن القومي».

لكن يجب أن تنتبه عزيزي القارئ إلى أن مفهوم « الأمن القومي» يعني في الواقع : «انعدام الأمن القومي» وبالتالي يجب البحث دائما وأبدا عن صيغة للحروب وتوظيف الاقتصاد والتكنولوجيا واختراع الأسلحة بكافة أشكالها وصناعة القرار السياسي وتوجيه الإعلام والميديا وبناء الهيكل العام للقوات المسلحة وغيرها من المسائل الجوهرية المهمة ذات الحيوية لبقاء «الدولة» وحفظ أمنها القومي.

وهكذا أصبح بين ليلة وضحاها (انعدام الأمن القومي) يعادل عالم السياسة، وأصبح المتخصصون في التفكير حول انعدام الأمن القومي يشغلون مؤسسات الفكر والرأي والدراسات والأبحاث منذ عام 1950 لا سيما مؤسسة راند التي تعتبر المؤسسة النموذجية وسط هذا السيل من المؤسسات الأكاديمية التقليدية.

وقد تطورت هذه المؤسسات في اتجاه الحفاظ على بقاء الدولة على قيد الحياة بابتكار مجالات جديدة وغير مسبوقة للبحث العلمي، وأصبحت تضم بين صفوفها مفكرين متميزين مثل «هيرمان» الذي تولى دراسة: ما لا يمكن تصوره! ..وألبرت لستيتر الذي درس في واشنطن تعقيدات الحفاظ على التوازن الدقيق للإرهاب، وغيرهما الكثير.