فاتن محمد حسين

زيارة محمد بن سلمان لأمريكا.. وأمن المنطقة

الجمعة - 30 مارس 2018

Fri - 30 Mar 2018

لم تكن التحالفات التاريخية التي قامت بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وليدة الصدفة، بل كانت تحالفات تسعى لإيجاد حليف لم يكن له مطامع استعمارية في المنطقة، لتحقيق المصالح العليا للدولة ببناء اقتصاد سعودي قوي. فقد أدرك الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بفكره الثاقب أهمية إيجاد موارد طبيعية لتكوين اقتصاد قوي لدولته المترامية الأطراف، فكان التنقيب عن «الذهب الأسود» في المنطقة الشرقية الفكرة التي لمعت في ذهنه، فبدأت العلاقات السعودية الأمريكية بتأسيس أول شركة أمريكية للبحث والتنقيب عن الزيت «ستاندرد أويل كاليفورنيا». وقد اكتملت نشأة العلاقة السعودية - الأمريكية باللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945 على متن السفينة الحربية «يو إس كوينسي» ثم تحولت إلى شراكات استراتيجية عبر التاريخ، والتي تمتد لأكثر من ثمانية عقود.

وها هو الأمير الفذ محمد بن سلمان يعيد للتاريخ رونقه وبهاءه في مد جسور العلاقات والتحالفات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة. ومن اللافت للنظر أنه على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته زيارات سموه لكل من مصر وبريطانيا في مطلع شهر مارس 2018، إلا أن زيارته للولايات المتحدة جعلت العالم يترقب مشدوها بخطوات الأمير وما يحققه لوطنه من منجزات، فقد زخرت زيارته بكثير من الملفات السياسية، والاقتصادية، والتقنية، والعلمية، والثقافية.

بل هناك ملف من أهم الملفات وهو «الملف الأمني الوقائي»، ففي الوقت الذي يسير فيه بخطى حثيثة لتنفيذ الرؤية 2030 وما تم عقده من اتفاقيات لتعزيز الاقتصاد، والبحث العلمي في الطاقة الشمسية المستجدة، والعمل على توطين صناعة اللقاحات والصناعات البيولوجية في مركز الابتكار بجامعة الملك عبدالله للعلوم التقنية KAUST لتصنيع اللقاحات؛ لتكون خط الدفاع ضد المخاطر الوبائية في المملكة، فإنه وقع كذلك اتفاقيات عدة لوضع خط الدفاع الأمني للدولة ضد الفيروسات أو المهددات الخارجية من إيران وأذنابها التي باتت تهدد المنطقة بأكملها.

ولهذا كان من ضمن برنامجه - حفظه الله - عقد اتفاقيات لشراء أسلحة وطائرات، وسفن حربية، وصواريخ «تاو» TOW وهي صواريخ مضادة للدبابات وتستعمل في جميع الأحوال الجوية وتبلغ إصابة الهدف فيها 99%. إضافة إلى ما تم الاتفاق عليه لتعزيز دور «الهيئة العامة للصناعات العسكرية الوطنية» بتزويدها بقطع الغيار وتأهيل الكوادر البشرية السعودية بتوفير الآلاف من الوظائف في تلك المصانع بوفورات تصل إلى 32.5 مليار ريال يعاد ضخها في الاقتصاد السعودي.

وامتدت الزيارة لتشمل «الأمن السيبراني» فأبرم اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع شركات عدة متخصصة، ومنها شركة «نورثروب جرومان» لنقل التقنية وتوطين الأمن السيبراني بالتعاون مع جمعية القوات الجوية الأمريكية. وتهدف مذكرات التفاهم ،لى تطوير قدرات الشباب السعودي وتدريبهم لحماية الأمن الالكتروني الوطني؛ فالحروب الشرسة التي يخوضها العالم الآن لم تصبح عسكرية فحسب، بل الكترونية أيضا، من خلال الغزو السيبراني والفيروسات في البرمجيات التي أثبتت دراسات أنها آتية من: إيران، وكوريا الشمالية، والصين، وروسيا، والتي تدمر الأجهزة وتضعف القدرات الاتصالية للمنشآت، بالإضافة إلى سرقة المعلومات واحتكارها وابتزاز الدول.

إن العمليات الإرهابية المنظمة التي تقوم بها إيران في اليمن وسوريا وتزويدها لحزب الشيطان بالأسلحة، وتدميرها لسوريا، وتشريد أكثر من ثمانية ملايين سوري عن ديارهم، وقتل الأبرياء بغازات محرمة دوليا، وسيطرتها على اليمن من خلال الحوثيين تجعل الدولة السعودية أكثر يقظة وفطنة، وقد رد سموه على «النيويورك تايمز» عن ضرورة امتلاك سلاح نووي قائلا «إن تأجيل الحصول على القنبلة النووية ومشاهدة حصول إيران عليها يعني أنك تنتظر وصول الرصاصة إلى رأسك». بهذه القوة يعيد محمد بن سلمان الصورة الذهنية للإنسان العربي المسلم المؤمن برسالته وعقيدته في الدفاع عن الأمة بإعداد العدة لمواجهة هذا الأخطبوط الإيراني حتى ولو بامتلاك السلاح النووي. صحيح أن السلاح النووي سلاح مدمر للمنطقة، ولكن ربما لن يستخدم إلا كرادع لإيران وإسرائيل ولحفظ التوازنات العسكرية في المنقطة، وإرهاب العدو الفارسي الذي يقوده خامنئي الذي وصفه محمد بن سلمان حينما تحدث إلى نيويورك تايمز بأنه «هتلر جديد في الشرق الأوسط».

ولتحقيق رؤية 2030 من خلال مشاريع تنموية اقتصادية للمنطقة مثل: نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، ولإيجاد الاقتصاد القوي والرفاه الاجتماعي، فإن ذلك لن يتحقق إلا بالتحصينات الدفاعية الاستراتيجية العسكرية. وصدق الله العظيم الذي قال «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».

Fatinhussain@