متحف دار المدينة رحلة روحية في تاريخ بدايات الإسلام

عمر المضواحي - المدينة المنورة

زيارة متحف دار المدينة كفيلة بأخذك في رحلة روحية، تذكرك عبر مجسمات طبيعية بمعالم بدايات الرسالة الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتلخص للزائرين قصصا وأحداثا عاشها النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها.

في البدء

بتذكرة دخول سعرها 15 ريالا فقط، يستقبلك بها أحد المرشدين في المتحف ليجول بك لمدة ساعتين كاملتين في أرجاء قاعة لا تزيد مساحتها عن 500 متر تقريبا، مكتنزة بالمجسمات وبعض التحف والقطع الأثرية ولوحات فنية وصور معلقة في كل بوصة على حوائط جهاته الأربع.

ويعد أول متحف متخصص للتاريخ والتراث الحضاري والعمراني للمدينة، أقيم بجهود ذاتية لمؤسسه الدكتور عبدالعزيز كعكي، نجح على رغم ضيق المكان في تقديم محاكاة لأهم أحداث السيرة النبوية في صدر الإسلام، مزودة بمجسمات فنية تحقق رسالة المتحف الرئيسة بالكشف عن معالم النبوية وإرث الحضارة الإسلامية وعبق تاريخها المجيد، مع استعراض لمجهودات أجيال متوالية من أبنائها جعلوا لها طابعا تاريخيا وحضاريا وعمرانيا فريدا يحمل في أعماقه فلسفة تنبثق من رؤية إسلامية للحياة والجمال.

مع المرشد

ما يلفت في الجولة أن لغة المرشدين تنحاز إلى طرح تفسيرات تمس لبّ معاني الأحداث النبوية لا ظواهرها فقط، لتشعر أن لكل حكاية معاني روحية لمعجزات نبوية لا يفسرها العقل ولا المنطق المادي للأحداث وأمكنتها، وأن ثمة معاني غزيرة خلف كل حكاية يروون تفاصيلها.

وما إن يستمع لها الزائر حتى يشعر بفيضان روحي يجتاح مشاعره الإيمانية تأثرا بشواهد السيرة النبوية الشريفة.

يقع متحف دار المدينة في مقر مدينة المعرفة الاقتصادية - ديوان المعرفة على طريق الملك عبدالعزيز مقابل محطة قطار الحرمين.

وهو يبعد عن المسجد النبوي مسافة 5 دقائق بالسيارة.

واستقبل منذ انتقاله إلى مقره الجديد في العام 1411هـ أكثر من مئة ألف زائر من كل الأعمار ممثلين أكثر من 30 جنسية من أنحاء العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الوفود الرسمية والعائلات وطلاب الجامعات والمدارس من داخل المدينة المنورة وخارجها.

عين الزائر

كان المتحف خاليا من الزوار ظهيرة يوم 3 مارس، وصادف دخول «مكة» وصول أربعة فرنسيين رجلين وامرأتين، اثنين منهما يعودان إلى أصول عربية من شمال أفريقيا قاما بالترجمة لأصدقائهما.

وعلى يمين بوابة الدخول يشاهد الزائر عدة مجسمات صغيرة تتحدث عن بدايات تكوين أم القرى، ابتداء بالكعبة المشرفة والرحلة الإبراهيمية وزمزم ومواقع القبائل العربية، وانتهاء بمرابع قريش وبيت النبوة وداري الأرقم والندوة، وجبلي حراء وثور وربط كل تلك المشاهد بقصة البداية، والتقاء أمين السماء بأمين الأرض وخاتم أنبيائها.

ثم يقف الزوار على مجسم ضخم يجسد طريق الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة مع إشارات ضوئية وإضافات فنية لأبرز الأحداث التي شهدتها الهجرة كوعد النبي -صلى الله عليه وسلم- لسراقة ابن مالك بسواري كسرى، ومكان خيمة أم معبد التي شهدت إحدى معجزات النبي، وإليها ينسب أشهر وصف لملامحه.

في الجولة يتم تعريف الزوار بمواقع أهم غزوات الإسلام، عبر سرد أحداث غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة، وغزوة الخندق في السنة الخامسة.

وتعريف بناقة النبي القصواء، ومواقع حجرات أمهات المؤمنين ومرقده الشريف عبر مجسمات تحاكي حقيقتها بدقة مدهشة.

ويضم المتحف إلى جانب قاعته الرئيسة قاعتين بنفس الحجم تقريبا، إحداهما مفتوحة «حديقة المتحف»، وهما مخصصتان أيضا لإلقاء الضوء على تاريخ المدينة ومعالمها وأسوارها وثقافتها الحضارية والعمرانية، ورصدا لمراحل التطور العمراني لتوسعة المسجد النبوي عبر التاريخ الإسلامي من عصر النبوة وحتى اليوم.

وهناك أنباء تشير إلى عزم مؤسسه نقل المتحف إلى مقر أوسع بمساحة تقدر بنحو 10 آلاف متر مربع في المستقبل القريب.

ويشتمل المتحف على مكتبة توفر أهم الكتب عن تاريخ المدينة المنورة، ومن بينها مؤلفات مؤسسه، وركن لبيع التذكارات والهدايا المنوعة للزوار، وعدد من الأقسام التي تظهر الأزياء التاريخية للنساء، وجانبا من الحياة الاجتماعية القديمة في المدينة المنورة.

مؤسس المتحف

حاز الدكتور عبدالعزيز كعكي هذا العام جائزة الملك فيصل العالمية ـ فرع الدراسات الإسلامية نظير جهوده الكبيرة في دراسة التراث الحضاري للمدينة المنورة، لا سيما في كتابه القيم «معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ» الذي اتسم عمله فيه بتوظيف التراث والعمل الميداني معا، وعزز معلوماته بالصور القديمة والجديدة والخرائط والأشكال التوضيحية، مما جعل دراسته مرجعية في ميدانها.

وبادر أمير منطقة المدينة المنورة فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز بإقامة حفل تكريم للدكتور عبدالعزيز كعكي مساء الأحد الماضي، بحضور كبار المسؤولين وأعيان وأهالي المدينة المنورة، تقديرا لنيله جائزة الملك فيصل العالمية.