المعرفة الداعمة للشراكة الدائمة

الخميس - 29 مارس 2018

Thu - 29 Mar 2018

من حسن الطالع أن نعيش ونتعايش لعدة أجيال هذا التطور الهائل والمتوالي في جميع الأصعدة، وخاصة ما أود التحدث عنه من الناحية الاقتصادية والمعرفية لمملكة الخير، فمنذ توحيد هذا الكيان الكبير على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، طيب الله ثراه، ومفهوم الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والدول الصديقة يعتبر سنة حسنة وممتدة منذ ذلك العهد إلى حكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وعهده الزاهر بالحزم والعزم، فأولى الشراكات كانت قبل أكثر من 70 عاما، وهي تمثل شرارة الانطلاق الأولى لما يسمى بـ «الشراكة المعرفية» وإن أخذت في بدايتها وشكلها التمثيل الدبلوماسي والسياسي، حيث تم إبرامها بين القائد المؤسس الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت على متن السفينة الأمريكية «لوينسكي»، وهو لقاء واتفاق تاريخي تم عام 1945، والذي يرمي إلى عقد شراكة بين البلدين لرسم خارطة التحالف الاستراتيجي المستقبلي، وتعزيز الدور الأمني واستقرار المنطقة، وإمكانية استفادة المملكة آنذاك من الخبرات الأمريكية، وأيضا استفادة الأخيرة من الكنز الدفين في أراضي المملكة كطاقة مشغلة لكثير من احتياجاتها ومعارفها الكامنة لدى المخترعين والمهندسين وعلماء الطاقة، وتحويلها لمنتجات استهلاكية وصناعات ثقيلة وتقنيات ذكية يتم تصديرها لدول العالم أجمع.

وكمفهوم عام تعرف الشراكة المعرفية على مستوى الدول من وجهة نظري الخاصة على أنها «المبادرة والأخذ بزمام الأمور لطرح مخزون الخبرات والمخترعات العلمية والعملية والثقافية والفنية والصناعية والاقتصادية والحربية للدولة، وعرض ذلك وتسويقه والاعتزاز به مع الاحتفاظ بالشعار والعلامة والهوية الوطنية، وتبادل ذلك واستجلابه وإحلاله مع الدول ذات الكفاءة والفعالية وفتح المجال والتسهيل والتيسير لكل العقبات السياسية والتجارية».

وتعتبر شركة أرامكو السعودية الداعم الرئيس والنواة الأولى لقيام منصة الشراكة المعرفية بين السعودية وأمريكا، إضافة إلى ذلك ما قامت به هذه الشراكة من تشكيل لاقتصاد المعرفة السعودي، وفتح المجال أمام العديد من الخبراء الأمريكيين ومهندسي البترول المتخصصين للدخول إلى المجتمع السعودي آنذاك في المنطقة الشرقية، حيث يعتبر الجانب الشرقي للمملكة منطقة ذات انفتاح تجاري أزلي قديم بحكم قربه من الخليج العربي، وانتعاش تجارة السفن البحرية، واستيراد البهارات والأخشاب وبعض الأطعمة، مثل الأرز والحبوب والنباتات العلاجية التي راجت آنذاك بين الهند والخليج العربي، وأيضا رحلات الصيد البحرية للحصول على اللؤلؤ الحر، مما أضفى على المنطقة نوعا من تقبل الثقافات الأخرى، ودخول مفهوم إلزامية التعليم ومحو الأمية، الأمر الذي أدى إلى سهولة اندماج مجتمع شرق المملكة بالخبرات الأجنبية، وانتقال المعرفة المصاحبة إلى المواطنين عن طريق الأمريكيين وعوائلهم، وتغيير ثقافة المجتمع وتحوله إلى مجتمع معرفي منفتح وسلس ينقل المعرفة ويستقبلها في آن واحد، وهذه إحدى بصمات أرامكو السعودية الإيجابية لتفعيل دور الشراكة المعرفية.

يذكر أن «اقتصاد المعرفة» يعد مصطلحا علميا حديثا، وأيضا مفهوما اقتصاديا قديما جدا، فحركة المشاركة المعرفية، وفتح المجال أمام مختلف الخبرات الخارجية، وخصوصا الأمريكية وغيرها، أديا إلى انتقال تلك المعرفة إلى الشباب السعودي عن طريق التعليم والنمذجة والمحاكاة، والبعثات من شركة أرامكو منذ بدايتها واختيار الأكفاء منهم وتدريبهم على رأس العمل وإرسالهم إلى أمريكا للاستحواذ على المعرفة التي يمتلكونها وتحويلها إلى خبرة مكنت المملكة من الاعتماد كليا على الشباب السعودي،وتحويل أرامكو إلى شركة سعودية 100%، وتحويل الصناعات وتصديرها خارجيا على شكل منتجات بترولية وبتروكيمائية مقسمة بحسب الحاجة، مما أدى إلى تعظيم الإنتاج وزيادة الدخل العام للمملكة.

وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى لتستكمل هذه المسيرة العملاقة خطاها بالشراكة التي تم عقدها مؤخرا برعاية كريمة من لدن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعدد من الشخصيات الرفيعة بين البلدين، حيث ألقى سموه كلمته في حفل الشراكة الكبير بين السعودية وأمريكا والذي أقيم في العاصمة واشنطن تحت عنوان «معا ننتصر»، والاجتماع مع عدد من الشركات الأمريكية العملاقة بمختلف مجالاتها الاقتصادية والتجارية والدفاعية، وفتح الأسواق أمامهم للاستفادة أكثر مما يحملونه من استثمارات وخبرات داعمة لتنمية المملكة، وتحقيق مبدأ الاقتصاد القائم على المعرفة الذي يقاس بحجم قوة الشراكة وتحقيق الروابط المتينة بحجم الاستثمارات الهائلة ودخول رؤوس الأموال الأمريكية وتسهيل إجراءاتها ومهامها، لتحقيق التبادل المعرفي لتثقيف المجتمع وتدوير رأس المال البشري والاقتصادي وتوظيف الشباب السعودي، ليتحقق معها معنى التغيير وتحقيق الرؤية 2030، بإذن الله تعالى.

Yos123Omar@