عبدالله المزهر

مؤامرات للتقبيل!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 29 مارس 2018

Thu - 29 Mar 2018

المؤامرة تعني التشاور، ويجتمع القوم يتآمرون أي يأمر بعضهم بعضاً. والمؤتمرات والمؤامرة مشتقتان من ذات الفعل.

هذا فيما يخص اللغة، أما في الاصطلاح فالمؤامرة هي السبب الذي يعلق عليه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي كل ما يحدث على هذا الكوكب.

والحق أيها الأفاضل والفاضلات أني ممن يؤمن بوجود شيء من هذا القبيل، وأتطرف في بعض الأحيان وأقول بأن إنكار «نظرية المؤامرة» هو مؤامرة بحد ذاته.

لكني أحيانا ـ أعني دائما ـ أعاني من مشاكل تتعلق بالفهم، وأسباب هذه المشاكل ربما يأتي الحديث عنها في وقت آخر إن لم أتعرض لمؤامرة تمنعني من الإسهاب في ذلك.

يقول علماء الواتس اب وخبراء تويتر ـ وهم مراجع موثوقة لا شك عندي في موثوقيتهم ـ إن داعش ومشتقاتها مؤامرة غربية للإساءة للإسلام والمسلمين، وإظهارهم بمظهر المتشددين المتعطشين للدماء، ثم أخذ ذلك ذريعة للقضاء عليهم.

وقد آمن بهذا القول خلق كثير أنا أحدهم، ثم إن علماء الواتس اب ذاتهم، وخبراء تويتر بشحمهم ولحمهم قالوا أيضا إن الغرب ذاته هو من يتآمر علينا ليبعدنا عن ديننا وثوابتنا وعقيدتنا وكرامتنا وبقية أشيائنا ليجعلنا أمة منحلة لا هم لها إلا الرقص والغناء وسفاسف الأمور ما ظهر منها وما بطن.

وقد آمنت مثل كثيرين غيري بهذه المؤامرة أيضا. ثم وجدت أن الغرب والشرق يجعلان المرأة ناشطة داعشية بمؤامرة، ثم يجعلانها راقصة بمؤامرة، ثم يجلسانها في بيتها بمؤامرة، ويخرجانها للشارع بمؤامرة أخرى.

ويتضح أن عمل المتآمرين في الغرب الكافر سهل ويسير ولا يحتاج إلى جهد، وأظنهم مع هذه الوتيرة سيقللون عدد اجتماعاتهم التآمرية لأن الأمر ليس صعبا فيما يبدو. لدرجة أنهم ـ لفرط الفراغ ـ يصنعون لكل تيار في المجتمع مؤامرة تخصه. وربما يقدمون مستقبلا عروضا مجانية فتأخذ مؤامرة وتحصل على أخرى مجانا.

والإيمان المطلق بهذه الاستنتاجات مريح نفسيا، حتى على المستوى الشخصي بعيدا عن الدول والأمم والحضارات، لأنه يعني أن كل الأخطاء التي تحيط بي وأغرق في تفاصيلها لا ذنب لي فيها، وكلها من صنع المتآمرين والمتآمرات الذين يكيدون لي كيدا وأنا لا أفعل.

الاعتراف بالأخطاء يبدو صعبا ومحرجا وغير مستساغ، والحل الأسهل دائما هو البحث عن آخرين يأتمرون، هم سبب كل شيء نعانيه. والشعور بالاضطهاد رغم أن ظاهره السوء إلا أنه في حقيقته شيء مريح لأنه يزيح عن كاهل الإنسان مشقة البحث في داخلة عن أسباب الزلل.

وعلى أي حال..

افترضوا أني أتفق تماما مع «نظرية المؤامرة»، وأن كل ما يحدث لنا وما نفعله اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا هو نتيجة لتخطيط المتآمرين، وأننا كلنا دون استثناء مجرد أدوات تنفيذ، ولكن هذا الافتراض يعني أننا ارتكبنا أخطاء جعلتنا صيدا سهلا لكل هواة ومحترفي التآمر في العالم، فما هي هذه الأخطاء؟ أم أنكم تريدون أن نفترض أيضا أننا لم نرتكب أي أخطاء، وأن سبب سهولة التآمر علينا هو مؤامرة أخرى؟!

@agrni