عبدالله المزهر

عادة إعادة اكتشاف المريخ!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 27 مارس 2018

Tue - 27 Mar 2018

فكرة ارتكاب الأخطاء تبدو مغرية أكثر من فكرة تلافيها، وأظن أن مجرد التفكير في حياة بلا أخطاء هو في حد ذاته فكرة ممعنة في الخطأ.

وقد قال الخطاؤون السابقون ينصحون الخطائين اللاحقين بأن الأخطاء مهمة لكي يتعلم الإنسان، وقالوا بأنها درجات السلم التي تساعدك الكائنات بالبشرية في الصعود إلى الأعلى. وهذا كلام جميل نظريا لكنه لا يقنعني، الخطأ يشعرني بآدميتي أكثر مما يفعل الصواب.

وقد توسوس نفس أحدكم له بأن هذا كلام خاطئ مجاف للصواب، فأقول له اجهر بوساوسك وأخبرني أني مخطئ فهذا ما كنا نبغ.

وبمناسبة الأخطاء فقد أعلن أحد علماء الفلك في جامعة كيب تاون ويدعى «بيتر دانسبي» عبر موقع على الانترنت يتشارك فيه علماء الفلك اكتشافاتهم ويناقشونها عن اكتشاف كوكب جديد لم يسبقه إلى اكتشافه أحد من العالمين، وبعد أربعين دقيقة من هذا الاكتشاف العظيم اكتشف هذا العالم اكتشافا آخر لا يقل أهمية عن الأول، وهو أن الكوكب الذي كان ينظر إليه قبل أن يحتفل بإنجازه الفريد وينشره للعالمين لم يكن سوى كوكب المريخ الذي اكتشفه الإيطالي غاليليو قبل أربعة قرون كاملة أو تزيد قليلا.

ومع أن الأمر يبدو مضحكا إلا أنه ليس جديدا، ويكاد يحدث يوميا في مجالات شتى، وكثير من التصريحات والقرارات التي نسمعها بين الفنية والأخرى من هنا وهناك لا تختلف كثيرا عن فكرة اكتشاف المريخ مجددا.

وكثيرون جدا أولئك الذين يعتقدون أنهم أتوا بما لم تأت به الأوائل بينما هم في واقع الأمر يعيدون اختراع العجلة، أو يعيدون اكتشاف المريخ كما فعل صديقنا العالم بيتر دانسبي.

أيضا فإن الشعراء والأدباء هم أكثر من يعيد اكتشاف المريخ، أو القمر كما يدعون في قصائدهم، وبعض المؤلفين المشهورين بغزارة الإنتاج لا يختلفون كثيرا عن صديقنا عالم الفلك -اللهم إلا في أنه اعترف بفداحة خطئه-، فجل مؤلفاتهم كتبها أناس آخرون قبلهم ولكنهم يعيدون «سرقة» المريخ، وينجح الأمر في كل مرة.

وعلى أي حال..

علماء آخرون في مجالات أخرى غير الفلك ـ نعم أعني أولئك الذين تفكرون فيهم ـ ليس لديهم نفس الجرأة التي لدى بيتر الذي اعترف أنه ارتكب خطأ مضحكا بعد أربعين دقيقة من فتواه بأن المريخ كوكب جديد.

وربما لا يكون السبب جبنا من الاعتراف بالخطأ ولا خوفا من «سطوة الجمهور»، بل قد يكون سبب ذلك أنهم يعتقدون أن الخطأ من طباع البشر العاديين، وهم ليسوا بشرا عاديين بالطبع.

@agrni