داعش يكمل المسيرة التاريخية في الإبادة الثقافية

سيظل 27 فبراير الماضي يوما مشهودا في تاريخ الحضارة البشرية. فقد استفاق العالم على مشاهد مروعة لعناصر داعش وهم يوثقون لجرائمهم بالفيديو بتحطيم المتحف، وأضاف لقائمة التدمير أطلال مدينة الحضر الأثرية في الموصل شمال العراق السبت الماضي، ومن قبل ذلك تفجير المكتبة العامة في المدينة نفسها بعد تفخيخها ليخسر المشهد الثقافي العالمي 8 آلاف كتاب ومخطوطة في دقائق معدودة.

سيظل 27 فبراير الماضي يوما مشهودا في تاريخ الحضارة البشرية. فقد استفاق العالم على مشاهد مروعة لعناصر داعش وهم يوثقون لجرائمهم بالفيديو بتحطيم المتحف، وأضاف لقائمة التدمير أطلال مدينة الحضر الأثرية في الموصل شمال العراق السبت الماضي، ومن قبل ذلك تفجير المكتبة العامة في المدينة نفسها بعد تفخيخها ليخسر المشهد الثقافي العالمي 8 آلاف كتاب ومخطوطة في دقائق معدودة.

السبت - 14 مارس 2015

Sat - 14 Mar 2015



سيظل 27 فبراير الماضي يوما مشهودا في تاريخ الحضارة البشرية. فقد استفاق العالم على مشاهد مروعة لعناصر داعش وهم يوثقون لجرائمهم بالفيديو بتحطيم المتحف، وأضاف لقائمة التدمير أطلال مدينة الحضر الأثرية في الموصل شمال العراق السبت الماضي، ومن قبل ذلك تفجير المكتبة العامة في المدينة نفسها بعد تفخيخها ليخسر المشهد الثقافي العالمي 8 آلاف كتاب ومخطوطة في دقائق معدودة.

وكان التنظيم قد أحرق مئات الكتب في المكتبة المركزية داخل الحرم الجامعي في جامعة الموصل في ديسمبر الماضي.

ولم يقتصر الأمر على الكتب والمكتبات بل تعداه إلى الجوامع والكنائس والمعابد والأديرة وحتى اللغة.



الأرض المحروقة



يتمسك داعش بسياسة الأرض المحروقة على نحو ما، بهدف إحراق كل ما قد يفيد العدو من محاصيل ومستودعات الغذاء والسلاح، والذي تحظره المادة 54 من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف 1977، إلا أن استراتيجية التنظيم تجاوزت التدمير المادي المألوف إلى قتل الهوية التي يتمسك بها أهل تلك الأرض، وذلك من خلال طمس مكونات هوية الآخر حتى تنشأ الأجيال المقبلة جاهلة بأصل ثقافتها وهويتها الحضارية.

ففي 1933 اقترح محام يهودي بولندي يدعى رافائيل ليمكين إضافة المكون الثقافي كعنصر أساسي في الإبادة الجماعية، وتمت إضافته في معاهدة منع الإبادة في 1948، وطلب أن يكون تحت مسمى الفاندالية نسبة إلى قبيلة جرمانية شرقية تدعى الفاندال، والتي هاجمتها روما في 455 م، مدمرة آثارها الفنية والأدبية.



تطهير ثقافي



تقول المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في بيان لها حول حادثة الموصل، إن هذه الحرائق المتعمدة التي طالت الكتب تمثل خطوة أخرى في التطهير الثقافي الذي يرتكب في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات المتطرفة المسلحة في العراق، مشيرة إلى أن حرق الكتب بالإضافة إلى التدمير المنهجي للتراث واضطهاد الأقليات هي أمور تهدف في المحصلة إلى تدمير التنوع الثقافي «الذي هو روح الشعب العراقي».

واختتم البيان أن اليونسكو تعمل منذ أشهر عديدة على توثيق وإدانة التطهير الثقافي التي ترتكبها الجماعات المتطرفة المسلحة في العراق.



تابولا رازا



بعد تحطيم متحف الموصل ثاني أكبر متحف في العراق في 27 فبراير الماضي، قالت بوكوفا خلال مؤتمر صحفي إن ما قام به داعش ليس «كارثة ثقافية فحسب» بل مشكلة أمنية كبرى، وتدمير التماثيل والمنحوتات ما هو إلا محاولة متعمدة لزعزعة استقرار البلاد وإثارة الطائفية.

وأضافت «يمكننا رؤية الإرهابيين يستخدمون تدمير التراث كاستراتجية لزعزعة الاستقرار وضمان السيطرة، وهم يرغبون بإظهار أنها «تابولا رازا» أو صفحة بيضاء خالية من أي تاريخ يعرف بمجتمع الموصل بشكل خاص والعراق بشكل عام، فلا شيء يوجد قبلهم ولا يهم أي شيء فليس هناك ثقافة ولا تاريخ. داعش يريد أن تظهر هذا بطريقة حية وبهذا التصرف الصادم».



طمس الهوية



يعيدنا مشهد حرق الكتب الذي أقدم على فعله داعش تجاه مقتنيات ومخطوطات مكتبة الموصل إلى أشهر عملية حرق للكتب قبل 80 عاما، وهي الحادثة التي سميت في الصحافة آنذاك بـ»هولوكوست للكتب»، قامت على فكرة أساسية، كل ما يخالف الأيديولوجية الألمانية مرفوض، وتم فيها حرق مؤلفات ألمانية وقفت ضد هتلر من الخارج.

ومن هنا انعكس الأمر على التعصب ضد الثقافة، وبدأت رحلة التطهير الثقافي الذي يكمل مسيرته اليوم داعش في العراق، فكل ما يخالف توجههم الديني والسياسي تتم محاربته، وشيطنة الآخر باسم الدين، مدعين تبني كلمة الحق، والتاريخ شاهد على سلوكيات المستعمر التي تتبنى التدمير والتخلص من الأجيال التي تملك زمام المناطق سياسيا واجتماعيا، لينتقلوا من ذلك إلى التخلص من كل ما ارتبط بتلك الشخصيات من كتب أو تاريخ أو قوانين، ولا يمكن إخفاء ذلك بالكلمات والخطب، بل إنها عملية أكثر من «حرق الكتب، وهدم الآثار، وتشويه التصور التاريخي للمنطقة».



عودة هولاكو



نسف داعش أحد أقدم المساجد التاريخية وهو مسجد السلطان ويس في نينوى التابعة للموصل، والذي يعود تاريخ إنشائه إلى 1838، بتفجير أجزاء من قلعة تلعفر التاريخية، وكأنها إعلان عن عودة هولاكو في صورة زعيم داعش أبوبكر البغدادي.

ومع اختلاف الكلمات إلا أن مبدأ التدمير ومحو ثقافة الآخر مشترك بينهما، كما أن التدمير لم يقتصر على بغداد وأخواتها من المدن العراقية، بل امتدت حرائقه لملامح سوريا الثقافية، فدمرت في دمشق نحو 30 موقعا أثريا وتاريخيا.

بقراءة في التاريخ يواجه داعش أحد مصيرين، إما الاستمرار والانتقال إلى مرحلة التنظيم الدولي حتى يعترف به بعد سنوات، أو يسقط بإرادة عالمية.

وفي كلا الحالتين سينتقل من التدمير إلى فرض السيطرة بأسلوب ناعم بعد أن تكون مفهوما عاما ومشتركا لدى مجتمعه وجيوشه، ليس لمن يخضع له داخل مستعمرته، ولكن أيضا كل من يؤيد تصرفاته في العالم أجمع، تحت مظلة حلم الخلافة.



مواقع تاريخية دمرها البشر:



• مكتشف ومدمر مدينة طروادة هاينريش شليمان في 1871.  وجد شليمان المدينة التاريخية في 1871، وكان هناك 9 مواقع فوق بعضها بعضا. فاستخدم عالم الآثار طريقة مبتكرة جديدة للحفر للوصول إلى المدينة الأسطورية: وذلك باستخدام الديناميت، الذي اخترعه ألفريد نوبل قبل أربع سنوات فقط.

• تمثالا بوذا في باميان والمنحوتان بين عامي 507 و554 م، دمرتهما طالبان في 2001.

• مدينة أم العقارب التاريخية في العراق، التي دمرت في بداية حرب العراق - 2003.

• تخريب المواقع الأثرية من قبل الجنود الأمريكان خلال حرب العراق - 2003.

• تدمير 10 مقابر قديمة للسلالات الست، يعود تاريخها لـ (220-589) في 2007 لإفساح مكان لمتجر إيكيا في نانجينج، الصين.

• تدمير المواقع الأثرية في رالي داكار عندما أقيم في تشيلي والأرجنتين عوضا عن باريس وداكار2009.

• تعرض موقع الحيبة الأثري الذي يقع على بعد 180 ميلا من جنوب القاهرة للتدمير وعمليات النهب من قبل لصوص الآثار، بين عامي 2012 و2009.

• تدمير الآثار في سورية بسبب الحرب الأهلية التي دارت رحاها في 2011، ومن المواقع المدمرة مسجد من القرن الـ11 ميلادي، وجزء كبير من مدينة حلب، وتعرض المدن القديمة مثل إيبلا وأفاميا للنهب والسطو.

• تضرر واحد من أكبر أهرام المايا والذي يعود تاريخه للقرن الثالث ق.م في موقع (Noh Mul) الأثري وذلك من قبل شركة بناء أثناء عمليات الحفر لتمهيد طريق في مايو 2013.



.. والآثار الليبية تحت التهديد



تضم الأراضي الليبية عهدا طويلا من التراث الإنساني على مدى مئات السنوات، واليوم يقف هذا التراث تحت تهديد تدخل المتطرفين التابعين لتنظيم داعش والذي أبدى تجاوبه مع بعض الفرق الإرهابية الأفريقية ومنها «بوكو حرام»، فالسؤال الذي يطرح من قبل المهتمين بهذا التراث وفي ظل السيطرة التي يفرضها داعش، في محاولة للتحكم بآبار النفط في ليبيا، هل سينتقل لتدمير المدن التراثية بحجة ارتباطها بأديان أو حضارات تخالف توجهها استمرارا لما دمره في سوريا والعراق؟فقد أبدى نائب السفير الليبي لدى منظمة اليونسكو حافظ والدة قلقه من التهديدات بشأن تدمير التماثيل الموجودة في المتاحف الليبية، والتي تحوي مجموعات يونانية ورومانية.

ويتصل تاريخ المنطقة بالحضارات الجرامانتية والأمازيغية والإغريقية والرومانية وفترات الحكم البيزنطية والعربية والحضارة الإسلامية، وصولا لفترات الحكم العثماني والإيطالي، وتشمل مدنا تراثية للحضارتين الإغريقية والرومانية من قبيل قورينا «شحات»، سوسة «أبولونيا»، توكرة، لبتوس ماغنا «لبدة الكبرى»، صبراتة وطلميثة، وتشكل كنزا تاريخيا تراثيا عظيما، إلا أن حمايته أمر مشكوك فيه.



ماذا عن الجزائر وتونس؟



يشكل تواجد داعش في ليبيا تهديدا واضحا للدول المجاورة، بما في ذلك التراث الذي تحتويه، فقد أكد وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة في مؤتمر صحفي سابق وجود قلق أمني بشأن مخاطر امتداد داعش إلى ليبيا، وإمكانية وصوله للحدود الجزائرية.

فيما تعد تونس أعلى احتمالية في تقبلها التواجد الداعشي من غيرها، فهي الأكثر تصديرا للمقاتلين المتطرفين في العالم، ويقاتل منها في صفوف داعش بسوريا والعراق نحو ثلاثة آلاف تونسي، إلى جانب توتر شأنها السياسي الداخلي.



ومن الفرق الإرهابية في أفريقيا، والتي قد تشكل شريكا مناسبا لداعش:



لواء أفريقيا - الجزائر، جماعة أنصار الشريعة في بنغازي ودرنة وتونس أفريقيا ليبيا، وأنصار بيت المقدس أفريقيا مصر، وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، والقوات الديمقراطية المتحالفة، والجماعة الإسلامية المسلحة، والجهاد الإسلامي المصري، والجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة، وجيش الرب للمقاومة، وجماعة المقاتلين المغربيين الإسلامية، وكتائب رأس - جسر – أو لواء - كمبوني، وحركة الشباب - أفريقيا - الصومال، وأنصار الدين - أفريقيا - مالي، وبوكو حرام أفريقيا وAnsaru أفريقيا بنيجيريا.



من الآثار الليبية المسجلة في قائمة التراث العالمي لليونيسكو:



1 لبدة الكبرى – 1982م بقايا الميناء الفينيقي Lpgy، دمجت مع الإمبراطورية الرومانية في 46 قبل الميلاد، واعتبرت واحدة من أجمل المدن في العالم الروماني، وتوضح مستوى التخطيط الحضاري لتلك الفترة. واكتشف فريق من الأثريين التابعين لجامعة هامبورج الألمانية باستكشاف منطقة لبدة وأعلن في يونيو 2006 عن اكتشاف أرضية من الموزاييك طولها 30 قدما، تعود إلى الفترة بين القرن الأول والثاني الميلاديين.



2 القيرواني - 1982مدينة دينية تاريخية أسسها الإغريق في الجبل الأخضر شمال شرق ليبيا، مستعمرة يونانية ومن المدن الرئيسة في العالم الهيليني، تأسست في 630 قبل الميلاد من قبل اليونانيين. ويتألف الموقع من: حرم أبولو، الأكروبوليس، أغوراو. تعد ثاني أكبر المدن الشعبية بعد مدينة البيضاء، واسمها التاريخي هو الذي منح المنطقة اسم قورينائية أو «سيرينايكا».



3 صبراتة - 1982مدينة صبراتة مركز تجاري فينيقي لمرور منتجات أفريقيا الداخلية، وشكلت جزءا من المملكة النوميدية الزائلة في ماسينيسا قبل أن تتحول إلى رومانية ويعاد بناؤها في القرنين الثاني والثالث. ومع الاحتلال الإيطالي لليبيا في 1911، قررت الحكومة الإيطالية تكليف بعثة من كبار المؤرخين وعلماء الآثار بالبحث عن الآثار الرومانية فيها.



4 مواقع الصخور فن جبال أكاكوس – 1985على حدود طاسيلي ناجر الجزائرية، وهي أيضا موقع مدرج على قائمة التراث العالمي، مرتفع صخري غني بآلاف الرسوم الصخرية ذات الأساليب المختلفة، ويعود أقدمها إلى 21 ألف عام ق.م. تقريبا، ويمكن أن يرقى أحدثها إلى القرن الأول ميلادي، وتعكس هذه الرسوم التعديلات العميقة التي طرأت على الثروة الحيوانية والنباتية، وكذلك أنماط الحياة المتنوعة للشعوب التي تتالت على هذا الجزء من الصحراء الكبرى.



5 غدامس - 1988مدينة بنيت في واحة وسميت «لؤلؤة الصحراء» تتميز هندستها المنزلية بتوزيعها الوظائف المختلفة على مختلف الطبقات: الطبقة الأرضية لتخزين المؤونة، والطبقة العائلية تشرف على ممرات مسقوفة مموهة تسمح بتنقل تحت الأرض تقريبا في المدينة وشرفات مكشوفة مخصصة للنساء.