محمد أحمد بابا

الغباء الاجتماعي

الاحد - 25 مارس 2018

Sun - 25 Mar 2018

الذي لا يستوعب قدر الناس وينزلهم منازلهم، والذي لا يعرف الوقت المناسب ليزور أحدا ما، والذي لا يستطيع أن يكون لبقا وهو يخبر شخصا بأمر مزعج لا شك بأن هؤلاء مع إصرارهم على هذه الإفرازات يحتاجون موجة من تحفيز ذكاء لعلهم يدركون بأنهم يفعلون ما نكره.

والذي في طول حديثه المكرر ملل يشعر به الجميع إلا حضرته، والذي لا يحسن بدء حديث جانبي مع جليس بجانبه في سفر طويل، والذي لا يبتسم عند لقاء من لا يعرف، والذي يفتقد للحنكة وهو يطلب حاجة ما، هؤلاء ثلة من خلق الله ما لم يتبن إعادة تهيئتهم للعيش مع الآدميين برنامج تعديل سلوك فسيكونون من شقاء الدنيا الذي يستعاذ منه.

والذي يصر على أن يسير بسيارته في جهة الشمال بسرعة أقل من القانونية، والذي لم يتعود لسانه ولا فمه على مخارج حروف كلمتي «شكرا، آسف»، والذي لم يرزقه الله القدرة على بناء علاقات تدوم وتدوم وتدوم من حسن حظهم إن وجدوا من يتحمل ثقلهم ويعاملهم على قدر فطنتهم المعدومة.

والذي يسأل عما لا يعنيه، والذي يخلف موعدا ولا يعتذر، والذي لا يؤمن بأن في وجوه الناس تعليما، أولئك من أمة ما خلت بعد، وستظل بين ظهراني تعاملاتنا لكنهم حتما سيقفون يوما على أن أصحاب العقول في راحة.

لكن الجامع بين جميع الأوصاف هذه ما ألهمني به بعض من أثق في اصطلاحاته أنهم مصابون بمرض الغباء الاجتماعي فاحذروهم.

عندما يعرج المصلحون على مشكلات المجتمع، ويبدأ فرز الأمراض الاجتماعية والوباءات المجتمعية، يقف فارز الأسقام على فرق كبير بين داء عرف سببه فقطع أوصال المجتمع، وبين مرض من متلازمة التدني المهاري فيه فقه الاجتماع.

من يرغب في العيش وحده ربما لا يحتاج لإعمال خلايا عقله لاستنطاق طريقة يتعامل فيها مع نفسه، بينما من يحل على مجموعة واحدا منهم تحتم عليه مقتضيات الخلطة أن يتحلى بأقل نسبة مرضية من الذكاء ليلتقط الفرص ويحمي نفسه من المواقف «البايخة» وتذمر الآخرين منه.

لا شك أن قدرات الناس التحليلية العقلية التي ينتج عنها في أقل من الثانية تصرف اجتماعي ذكي تختلف من هذا لذاك، لكن الملح في زمن وصف الأجهزة بالذكية أن تفتح ميادين التدريب للذات مجالاتها للقضاء على الغباء الاجتماعي قبل استفحاله.

ومن ذلك أن تخيلت يوما من يسأل جهازه الذكي عم يفعل تجاه موقف آني حتى يكون خفيف دم «مهضوم» تصرف وهو يتقدم لخطبة إحداهن.

والواقع أن المرأة أشد قدرة على تحمل الغباء الاجتماعي من الرجل أكثر من قدرته على تحمل ما يزعم الرجل بأنه غباء اجتماعي فيها.

وصمة عار اجتماعي أن جعل أقوام يوما «الذوق العام» وما يسمى «بالاتيكيت» و«البروتوكول» رفاهية تعامل وبرجوازية تعليم، حتى نتج عن ذلك ضياع خاصية تقدير لأعراف مجتمع في مقابل مجتمع آخر.

ورغم كل ذلك ربما في الغباء الاجتماعي حسنتان: الأولى هي مصدر النكات الطريفة، والثانية أن المتحلي به لا تعنيه انطباعات الناس عنه فينام قرير العين متلحفا بغبائه.

@albabamohamad