المثقفون الجدد

السبت - 24 مارس 2018

Sat - 24 Mar 2018

جرب يوما أن تقضي شطرا من وقت فراغك متجولا بين أروقة مكتبة تجارية تهتم ببيع الكتب، ستجد أنك في نهاية الزيارة تخرج بخفي حنين ليس بسبب عدم مقدرتك على الشراء بل لعجزك رغم مرورك على آلاف العناوين والأسماء عن إيجاد ما يستحق القراءة. ورغم أن غزارة الإنتاج الرديء المتكاثر بوتيرة متسارعة الصادر من عقول خاوية جوفاء مظلمة أمر مزعج، إلا أن زخم الاحتفاء برديء الكتب وسقطها وتمجيد كاتبها ونشرها على أوسع نطاق في دعاية مجانية مشكل أكثر إزعاجا، وهو ما سيدفع محبي القراءة وهواتها لاكترائها ثم يتبين لهم أنهم وقعوا في شراك الدعاية العريضة وفخ شهرة جمهور الكاتب.

والحق أن صمت وزارة الثقافة والإعلام الرهيب وتساهلها بترك المجال مفتوحا أمام هذه الكتب للظهور، وفرشه بالورود دون ضابط يحد من ذيوعها مؤشر خطير سيسهم في تدني الذائقة الفنية، والتراجع المعرفي، وتغييب الوعي الثقافي، واعتزال القراء للقراءة، والبحث عن مصدر آخر يقضون به أوقات فراغهم، وهي حتما مطالبة باستشعار خطورة الموقف واتخاذ تدابير كافية تحفظ ماء وجه الثقافة، والوقوف بحزم أمام هذا الغثاء باعتمادها أنظمة صارمة تتعلق بإجازة الكتب وفسحها تحمينا من تمدد هذه الفضلات التي تتقاذف علينا من كل صوب.

كما أن دور النشر أيضا ليست بمنأى عن المساهمة في هذا التدني، بل هي شريك رئيسي ولاعب مهم يؤدي دوره بامتياز في تقويض الشأن الثقافي والحط من قيمة الكتاب كمصدر ثقافي مهم لرقي الأمم، باستقطاب جمهرة من المؤلفين المغمورين جدا في المجال الكتابي لكنهم ذائعو الصيت في مجال الإعلام الجديد، وهو نوع من التحالفات الجديدة ومحاولة بارعة لاستثمار أنصارهم في تسويق الكتاب وتحقيق أرباح باهظة تسمنهم وتغنيهم من جوع مؤلفات العلماء والأدباء والمثقفين الذين لا يتمتعون بنفس القدر من الجماهيرية والدعم.

الميدان الثقافي ميدان واسع بإمكانه احتضان الجميع، ونحن لا نطلب منه أن يكون نخبويا ومتعاليا وجادا أكثر مما ينبغي، لكننا كذلك لا نريده أن يكون سخيا مع الجميع، فيقبل المؤهل ويقبل معه الفاقد للأهلية أيضا.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال