فيصل الشمري

ازدواجية المعايير في الفكر الحزبي العربي

السبت - 24 مارس 2018

Sat - 24 Mar 2018

ازدواجية المعايير في دهاليز السياسية باختصار هو فكر سياسي حديث قائم بمفهوم الكيل بمكيالين، يتضمن مجموعة من المعايير والمبادئ التي تتضمن أحكاما مختلفة لمجموعة من الناس أو حزب سياسي بالمقارنة مع مجموعة أخرى أو فكر سياسي آخر. فكر ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين استخدم بكثرة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى وصلا إلى الحرب العالمية الثانية.

الحزب النازي استخدم فكر ازدواجية المعايير للتخلص من الخصوم السياسيين في ألمانيا وتفسير جرائم الحرب التي قام بها في جميع الدول المستقلة التي احتلها، اعتبر الحزب أن مواطني دول مثل بولندا وروسيا أقل إنسانية من الإنسان الألماني لهذا مقبول استعباد وقتل مواطني هذه الدول، جمع الحزب النازي ازدواجية المعايير والعنصرية العرقية. الحزب الشيوعي استخدم ازدواجية المعايير أيضا لتصفية الخصوم السياسيين والمدارس الفكرية الأخرى داخل الاتحاد السوفيتي. أما في عالمنا العربي فإن ازدواجية المعايير والتناقضات سياسة أصيلة لبعض الأحزاب السياسية مثل الإخوان المسلمين وحزب الله اللبناني، أقرب الشواهد على هذه الازدواجية موقف الإخوان المسلمين من الحراك الشعبي ضد الحكومة في إيران، قبل عدة أشهر كان موقفهم رافضا لهذا الحراك، في المقابل الإخوان دعمت الربيع العربي «الجحيم العربي» مع أن الثورة والتصحيح يعتبران من أساسيات عقيدة الإخوان المنهجية والفكرية، راجع ذلك في فكر الإخوان، التذبذب الفكري، الازدواجية في الرؤية في أدبيات الإخوان نفسها، الازدواجية في المعايير في هذه الحالة تسمى النفعية البراجماتية، أي الحزب يأتي أولا قبل أي اعتبارات أخرى.

الطابع الواضح لفكر الإخوان أنه ليس ثابتا على مبادئ واضحة وأخلاقيات حتمية، خدمة الحزب تكمن في تقوية كيانه، لهذا تجد الصمت تجاه قمع حكومة إردوغان للأحزاب السياسية، سجن المعارضين، إغلاق الصحف، في نفس الوقت تجد شخصيات إخوانية تهاجم الدول العربية للسبب ذاته، هذه هي الازدواجية في المعايير السياسية.القاعدة الثابتة عند الإخوان هي قيام كيانها على شرعنة المتناقضات السياسية لخدمة الحزب، لهذا صفة الازدواجية في المعايير صفة أصيلة للحزب، وليست طارئة.

تعود هذه الازدواجية لضعف أدبيات الإخوان والرؤية الإنسانية لأنها فقط تعتمد على نتاج ثقافة الإخوان، لذلك دائما يظهر هذا التناقض بين التنظير الإخواني والعمل الميداني للحزب، هو نوع من أنواع المكيافلية التي تظهر على الأحزاب السياسية التي تستخدم الإسلام أو الدين لتجعله جسرا للوصول إلى السلطة أو المكتسبات السياسية.

الفارق الجوهري بين الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية التي تعمل داخل دولها وفق الضوابط السياسية لهذه الدول لرفعة أوطانها في ظل شرعية التنافس الديمقراطي وحزب الإخوان في المحيط العربي. الإخوان لا يعترفون بالدول العربية ذات الحدود والسيادة الوطنية المستقلة، الولاء والانتماء للحزب وليس الوطن، كتب سيد قطب وهو المرجعية الفكرية لفكر الإخوان: «ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن»، في ذلك تلخص طريقة تعامل هذا التنظيم الإرهابي مع الفكرة الوطنية وازدواجية المعايير. ازدواجية المعايير لحزب الله اللبناني تتجلى في الواقع السوري، يتدخل الحزب مناصرا لنظام بشار الأسد، وفي نفس الوقت القيادة السياسية للحزب تنظر من أجل القضية الفلسطينية، القيادة الدينية للحزب تؤمن بعقيدة الأمام الفقيه في إيران، والقيادة السياسية للحزب تلعب دورا سياسيا على شكل ديمقراطي داخل لبنان، الولاء والانتماء للولي الفقيه غير اللبناني، والحزب جزء من المنظمة السياسية المحلية اللبنانية هذه الحالة تسمى النفعية العقائدية، أي عقيدة الحزب الدينية تطغى على الأخلاقيات السياسية والإنسانية، خدمة الداعم الأكبر للحزب إيران تفسر ازدواجية المعايير بين دور الحزب في سوريا ودوره داخل لبنان، أو كما يصرح قادة الحزب أن الحزب نصير للقضية الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي. وصف المتنبي حالة ازدواجية المعايير وصفا جميلا في أبيات شعرية رائعة في قصائد عدة:

وقد يتزيا بالهوى غير أهله

ويستصحب الإنسان من لا يلائمه

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره

إذا استوت عنده الأنوار والظلم

ومن صحب الدنيا طويلا تقلبت

على عينه حتى يرى صدقها كذبا