فاتن محمد حسين

الانتخابات في الجمعيات الخيرية

السبت - 24 مارس 2018

Sat - 24 Mar 2018

إن دخول الانتخابات كأداة ديمقراطية في مؤسسات المجتمع المدني ليست جديدة على مجتمعنا وثقافتنا؛ فقد طبقت في مؤسسات الطوافة، وإدارات الغرف التجارية، والمجالس البلدية، والأندية الأدبية وهي مطبقة أيضا في الجمعيات الخيرية والأهلية.

وبالرغم من نجاح الانتخابات في بعض الجهات إلا أنها ما زالت تعاني الكثير من القصور في معظم مجالس الإدارات؛ ويرجع ذلك لأسباب متنوعة منها: التلاعب في العملية الانتخابية، ووجود كثير من التحيز للأصدقاء والأقارب والشللية، بالإضافة إلى المجاملة والمحسوبية. بل رأينا في انتخابات مؤسسات الطوافة وعودا للمطوفين بمكاتب خدمة ميدانية لاستمالتهم لترشيحهم فضلا عن الوعود الخادعة للمطوفات والتي لم تلبث أن تبين أنها كانت حبرا على ورق، ولم تحقق معظم المجالس ولا 20% من وعودها الانتخابية.

ولأن مجالس الإدارات في الجمعيات الخيرية والأهلية تتحمل مسؤولية العمل الخيري التطوعي، والتي قد تختلف فيها عن تلك المجالس التي يحصل العضو فيها على مكافآت مالية عالية، فإنه يبقى العمل في مجالس الجمعيات الخيرية محددا برغبة الإنسان في العمل التطوعي الخيري.

ولكن وللأسف يصل لهذه المجالس بعض من ليس أهلا للمكان والمكانة؛ وخاصة في المجالس النسائية لأن «ثقافة الانتخابات» ضعيفة جدا في الأوساط النسائية على المستوى العام، والذي عادة تتألف منه الجمعيات العمومية، حيث إن قبول العضو في الجمعية العمومية «مفتوحة للعموم» ولا تستخدم «العضوية المغلقة» إلا نادرا! ويكون ذلك بالاشتراك برسم سنوي تحدده الجمعية، فضلا عن مميزات أخرى، وفي مقابل ذلك يعطى العضو الكثير من الامتيازات منها حق التصويت في الانتخابات، وعلى قرارات الجمعية العمومية والاطلاع على محاضر الاجتماعات والمستندات المالية، والاطلاع على الميزانية العمومية للجمعية ومرفقاتها في مقر الجمعية،. بل يحق للعضو الترشح لمجلس الإدارة بعد مدة لا تقل عن ستة أشهر من تاريخ التحاقه بالجمعية وسداده الاشتراك.

ومن خلال عملي في مجلس إدارة جمعية نسائية أرى أن أمانة الترشيح تقتضي ألا يرشح للمجلس إلا من تمتلك الخبرات العملية التطوعية الكافية في المجال الخيري لأنها حتما هي من ستعمل لصالح المكان، فهناك من تجد في سيرتها الذاتية أنها حصلت على خمسين دورة تدريبية في مجالات متعددة من دول عربية، ولديها عضوية جمعيات بالعشرات، ولكن حينما تبحث عن العمل الذي قدمته للمجتمع تجده يكاد يكون صفرا، أو ربما قطرات لا تروي ظمأ العمل الخيري بالإنتاج الإداري والاجتماعي الاحترافي المطلوب.

وفي بعض المجالس نرى أن هناك من لم تقدم للعمل الخيري ولا 10% مما هو مطلوب منها! بل منهن من تعتذر عن حضور الاجتماعات بحجة السفر والترحال والظروف العائلية، وكل ذلك حتما هو على حساب العمل الخيري الذي يتطلب الكثير من الجهود والمتابعة شبه اليومية للأعمال في الجمعية الخيرية.

أرى أن حوكمة مجالس الإدارات ضرورة ملحة من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، كما أرى ضرورة تشكيل لجنة مصغرة من الجمعية العمومية من شخصيات بمستويات علمية تكنوقراطية، تتوافق مع عمل الجمعيات الخيرية؛ لتوجيه ومراقبة أعمال الجمعية الخيرية، وضمان أن المنظمة تدار بفاعلية ومسؤولية؛ لضمان الرقابة الداخلية والشفافية، وأن كل عضو في مجلس الإدارة يقدم ما أوكل له وبما يحقق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة.

وأما ترك الحبل على الغارب والظن أنه عمل تطوعي قد يحضر العضو أو لا يحضر بمزاجه فإن ذلك به إجحاف بمتطلبات العمل الخيري، ومع أن النظام يحتم تبليغ الجهة المختصة عن العضو الذي يتغيب عن حضور اجتماعات مجالس الإدارات فإن رؤساء المجالس عادة يجدون حرجا في التبليغ عنهم، ومجاملة لهم تقبل أعذارهم مهما كانت واهية! ويبقى العمل محصورا في عدد قليل من أعضاء مجلس الإدارة وعليهم كل المسؤوليات وأمانة العمل.

وحقيقة فقد حددت اللائحة التنفيذية لنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 73739 بتاريخ 11/‏6/‏1437 في «المادة الثانية والثلاثين» اختصاصات مجلس الإدارة بـ «ستة وعشرين» مهمة أساسية منها: وضع السياسات العامة لتحقيق أهداف الجمعية، وتنمية الموارد المالية، والاهتمام بالعقارات والوصايا والأوقاف والهبات، واستثمار الفائض من أموال الجمعية وتفعيلها.. وغيرها من الاختصاصات التي أرى أن تكون حوكمة مجالس الإدارات بناء على تلك الاختصاصات وما تم تنفيذه وما لم ينفذ وأسباب عدم التنفيذ، بل محاسبة الأعضاء عن أعمال اللجان الذين كلفوا بالإشراف عليها ولم تفعل!

بقي أن نهمس في أذن الفئة الناخبة لأي مجلس إدارة لنقول لهم إن صوتك أمانة فلا تمنحه إلا لمن يستحقه.