من خطب الجمعة

الجمعة - 23 مارس 2018

Fri - 23 Mar 2018

ظلم النفس

«إن الله تعالى يختص - بحكمته ورحمته- ما شاء من الأزمنة والأمكنة، بما شاء من العبادات والقربات، التي يزدلف العباد القانتون المخبتون بها إليه، مبتغين بها الوسيلة في سيرهم إلى ربهم، بحسن القدوم عليه، ويمن الوفود إليه ولقد كان مما كتبه عز اسمه وافترضه على لسان خليله إبراهيم وولده إسماعيل - عليهما السلام- تحريم أشهر من السنة وتعظيمها بتحريم القتال فيها، وتواتر ذلك التحريم حتى نقلته العرب بالتواتر القولي والعملي وتلك هي الأشهر الأربعة التي أشار إليها سبحانه بقوله (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين)، وبينها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بقوله في خطبة حجة الوداع «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاثة منها متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم. ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».

إن ظلم النفس يشمل كل محظور يوبق المرء فيه نفسه، ويدخل فيه هتك حرمة الشهر الحرام دخولا أوليا محققا وهذا الظلم للنفس كما يكون بالشرك بالله تعالى، وهو أعظم ظلم لها، فإنه يكون - أيضا- بالتبديل والتغيير في شرع الله، والتحليل والتحريم بمجرد الهوى، والآراء الشخصية، والاجتهادات التي لا يسندها دليل صحيح من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويكون ظلم النفس - أيضا- باقتراف الآثام، واجتراح السيئات في مختلف دروبها، فالذنب سوء وشؤم، وظلم للنفس في كل زمان؛ لأنه اجتراء على العظيم المنتقم الجبار، المحسن إلى عباده بالنعم الخاصة والعامة، المتحبب إليهم بالآلاء وهو الغني عنهم، لكنه في الشهر الحرام أشد سوءا، وأعظم جرما، وأفدح ظلما؛ لأنه جامع بين الاجتراء والاستخفاف، وبين امتهان وانتهاك حرمة ما حرمه الله، وعظمه واصطفاه فكما أن المعاصي تغلظ في البلد الحرام فكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام؛ ولهذا غلظت فيه الدية عند كثير من العلماء».

أسامة خياط - المسجد الحرام

وحشة القبر

«المنزل الذي لا يسع كل راحل إلا يوم نزوله هو القبر قال صلى الله عليه وسلم: إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها نجا سعد بن معاذ. وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القبر أول منازل الآخرة فإن ينج منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه.

من أركان الإيمان باليوم الآخر الاعتقاد بحقيقة القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر الذي أسمع.

إن زيارة القبور للعبرة والعظة سنة وقربة، فمن زار القبور تذكر الأموات وهم ممن سبق من آبائه فيتيقن أنه ميت ومقبور مثلهم ومسؤول في قبره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.

العبد إذا دفن في قبره ومضى من كان معه فإن أول زواره ملكان يمتحنانه، قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: إذا وضع الميت في قبره، فإنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، قال: فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه».

عبدالباري الثبيتي - المسجد النبوي