البدانة وباء

الجمعة - 23 مارس 2018

Fri - 23 Mar 2018

الذي دعاني لمعاودة الكتابة مرة تلو الأخرى عن ظاهرة البدانة هو ذلك الانطباع العام على أنها حالة مرضية يتم التعامل معها بصورة فردية حسب التفاصيل المرضية لكل مصاب، وأن علاج هذا المرض يتم في المستشفيات والمراكز الطبية التي باتت مكتظة بالآلاف من الحالمين في التخلص من هذا الداء.

إن تفشي البدانة بين كافة شرائح وطبقات المجتمع مع ملاحظة انتشار زيادة الوزن والبدانة وظهورهما في سن مبكرة لدى الأطفال والشباب، ليبعث على القلق الشديد وينذر بكارثة وطنية تهدد صحة رجال المستقبل الذين نعول عليهم الكثير للمساهمة في بناء وطن متجدد.

وفي الوقت الذي تنبه العالم لخطر البدانة وما تسببه من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب وارتفاع الضغط وداء السكري وأمراض المفاصل والعمود الفقري، بالإضافة إلى بعض أنواع السرطان، ما زلنا نحن في منطقة الخليج العربي غير قادرين على القيام بأي عمل وطني شامل لمحاربة هذا الوباء واتخاذ الخطوات المهمة للوقاية منه.

إن الأدلة الماثلة أمام أعيننا نحن أصحاب هذا الاختصاص على ما تسببه البدانة من أمراض عضوية ونفسية بالغة التأثير تستدعي وقفة عاجلة وحازمة حيال هذا الأمر من المؤسسات والهيئات الصحية في بلادنا، تتطلب إعلان استراتيجية وقائية عاجلة يتم توظيف كافة الإمكانيات لنجاحها وبشراكة قوية وملزمة للعديد من القطاعات الحكومية والخاصة.

قد يكون من الضروري أن تستهدف الاستراتيجية العامة الوقائية في البدء شريحة الطلاب، يتم ذلك في مدارسهم وجامعاتهم وتكون هذه الاستراتيجية متعددة الأقطاب ترتكز على تنسيق عال بين الهيئات المشاركة وتوظف جميع مشاهير قناة التواصل الاجتماعي، ويوضع لها تنظيمات وقوانين تسهل تنفيذ آلية عملها لا إعاقتها.

ومع انطلاق مشاريع التحول الوطني ورؤية 2030 فإن خدمات القطاع الصحي بالمملكة قد بدأت بالفعل الخطوات الأولى باتجاه التغيير الجذري، الأمر الذي قد يسمح لها بأن تدفع بهذه الأفكار نحو الأمام وتعلن ولادة استراتيجية عمل وطنية شاملة لا تستثني أحدا.

وإذا أردنا أن تستوعب الدرس من المبادرات والحملات السابقة وتفادي تكرار الفشل والأخطاء، فإنه يتحتم علينا هذه المرة استيعاب كل الأفكار التي نادى بها العديد من المختصين والرواد في هذا المجال، علينا البحث عن آلية للاستماع لآرائهم والاستفادة من خبراتهم، لقد انقضت سنوات، سنة تلو الأخرى ولم نتوصل بعد لاستراتيجية شاملة للتصدي لهذا الوباء، وما زالت كل المبادرات والحملات السابقة عاجزة وخجولة عن القيام بعمل جماعي وبنتائج حقيقية ملموسة.

ومن هنا نقول إنه من الاستحالة بمكان أن نحاصر هذا الوباء الذي يهدد مجتمعنا بالكامل دون إنشاء إدارة أو هيئة متكاملة تعنى بظاهرة البدانة تجد كامل الدعم والتعاون من عدة وزارات أهمها التعليم والتجارة، والثقافة والإعلام وهيئة الرياضة والشباب والترفيه، ولأن شبح البدانة يهددنا ومنذ أعمار مبكرة في مجتمع يافع أكثر من نصف مواطنيه تحت سن الخامسة والعشرين فإن الإرادة الحازمة للتصدي لهذا الوباء يجب أن تعلن قبل فوات الأوان، وهذا أمر في غاية الأهمية.

temyatt@