عبدالله المزهر

بين القهرين!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 21 مارس 2018

Wed - 21 Mar 2018

يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «لا مكان لمتطرف يرى الاعتدال انحلالا ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان بيننا لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لنشر أهدافه».

هذا أوضح ما يمكن أن يقال عن المرحلة الحالية وماذا يراد لها بالتحديد، لكن المشكلة أن الظاهر والطاغي على السطح في هذه الأيام هم فقط ممثلو الفريقين الذين أشار إليهما الملك.

فريق لا يكف عن التذكير بأننا ذاهبون إلى الجحيم مباشرة، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر، يتحدث عن السعودية وكأنها تحولت إلى شعب من السكارى يهيمون في الشوارع، والذي لا يعيش في السعودية ويسمع خطاب هؤلاء يساوره شك بأن الناس قد قرروا هجر المساجد والتواجد في البارات والملاهي الليلية التي تكتظ بها الشوارع والطرقات في السعودية.

ثم يعزز لهذا التيار الذي يروج لفكرة أن السعوديين اقتربوا من التحول إلى ديانة أخرى أشخاص وجهات من خارج الحدود، يتحسرون على ما آلت إليه السعودية بسبب بضع حفلات غنائية. والغناء بالغناء يذكر وبقليل من التأمل فإننا قد نكتشف أن أعظم فترات الغناء السعودي وسيطرة رموزه (طلال ومحمد عبده وعبادي وعبد المجيد ومحمد عمر وعلي عبد الكريم وسلامة العبدالله وعيسى وبشير وغيرهم كثيرون) وانتشار أعظم أعمالهم كانت في الثمانينات والتسعينات وهي الفترة التي يتباكى عليها أولئك الذين يسوقون فكرة أن السعودية قد كفرت الآن بسبب حفل غنائي.

في الطرف المقابل هناك يوجد فريق آخر يبدو أنه يريد أن تكون أوهام الفريق الأول حقيقة، يريدون أن يكفر السعوديون فعلا بكل ما آمنوا به، دينا وتراثا وعادات. فأي مظهر للتدين يعتبره تخلقا ورجعية وبعدا عن «الإسلام الوسطي»، وكل يدعي وصلا «بالإسلام الوسطي»، ولكن الإسلام الوسطي لا يقر لهم بذاك!

الأمير محمد بن سلمان عراب التغييرـ لم يقل لا تصريحا ولا تلميحا إنه يهدف إلى دولة علمانية لا علاقة لها بالدين، وفي لقائه الأخير تحدث عن «تعاليم الإسلام» وربط التغير الذي يحدث في المجتمع السعودي بالإسلام. لأن السعودية دولة «مسلمة» وستبقى كذلك، ولن تدوم إلا لأنها كذلك.

ولم يعن الانفتاح وممارسة الناس لحياتهم الطبيعية التخلي عن كل شيء، وحين يتحدث الأمير عن التغير الذي طرأ على المجتمع منذ 1979 فإن بعضنا ـ لأسباب لا أعلمها ـ يتعامل مع هذا الأمر وكأن التاريخ المقصود هو عام 622م، وأن مشكلة المجتمع بدأت منذ 1400 عام. تشعر أنهم يريدون أن يقولوا إن المشكلة لم تبدأ مع ثورة الخميني، ولكنها بدأت مع بعثة محمد عليه الصلاة والسلام.

فكل مظهر للتدين في نظرهم محط سخرية واحتقار وتنمر، ثم يعزون ذلك ـ عبطا من عند أنفسهم ـ إلى «الوسطية».

وعلى أي حال..

المجتمع يريد الخلاص من داء الإقصاء والوصاية سواء كانت بلحية أم بربطة عنق، والتطرف والغلو واحد، سواء كان تطرفا في الدين أم تطرفا «للدشرة»، وأظن أن الدشرة مصطلح مناسب لأنه من الظلم لليبرالية أن يصنف «الإقصائيون الجدد» على أنهم ليبراليون.

@agrni