عبدالله الجنيد

التاجر والأمير

الأربعاء - 21 مارس 2018

Wed - 21 Mar 2018

في مشهد ترامبي «شبه سريالي» جال الرئيس ترمب بين وسائل الإيضاح الموجهة للرأي العام الأمريكي وهو يستضيف سمو الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض. كانت رسالة ترمب إظهار أهمية هذا الصديق والحليف للولايات المتحدة، فهو لم يكن يستعرض منظومات السلاح التي تعاقدت عليها المملكة العربية السعودية، إنما حيوية هذه العقود عبر توزعها بين عدد كبير من الولايات وتأثير ذلك إيجابا على سوق العمل الأمريكي.

فبالرغم من أن كثيرا من وسائل الإعلام غير الصديقة للمملكة العربية السعودية حاولت تصوير الأمر على أنه استخفاف الرئيس ترمب من مكانة المملكة العربية السعودية أو مكانة الضيف الزائر، إلا أن الأمر في حقيقته خدم المملكة العربية السعودية، لأن ترمب تاجر لا يتقن أصول البروتوكول الدبلوماسي، لذلك ربما كان ذلك وراء تزويده بوسائل الإيضاح تلك للتقليل من احتمالات انفلاتاته، لكن يسجل لسمو الأمير محمد بن سلمان سرعة بديهته في التعاطي مع الأمر على أنه بعض من أريحية الرئيس ترمب في التعبير عن عمق الصداقة مع المملكة لا عكس ذلك.

محمد بن سلمان أنجز كل الأهداف السياسية لزيارته القائمة للولايات المتحدة حتى قبل أن تطأ رجلاه قاعدة أندروز الجوية، فقد كانت مقابلته الموسعة التي بثت عبر برنامج 60 دقيقة لقناة سي بي إس الأمريكية حوارا مباشرا من الشعب الأمريكي لا مؤسساته الرسمية، وذلك الاختراق أنتج حراكه الخاص لدرجة أن محرك قوقل سجل ارتفاعا غير مسبوق في البحث عن تاريخ السعودية منذ الأربعينات إلى نهاية السبعينات من القرن الماضي، وذلك تحديدا ما أوصى به هو للتعرف على الإنسان والمجتمع السعودي وعدم اختزال الهوية السعودية في الصورة النمطية التي أنتجتها الصحوة.

محمد بن سلمان نجح، ليس فقط في احتواء حالة الفتور في العلاقات السعودية الأمريكية نتيجة تحولات كبرى في موقف إدارة ترمب، بل وظف ثقله السياسي والاجتماعي وحضوره الدولي في إعادة فرض أولويات المملكة على البيت الأبيض عبر تبن يكافئ خدمة المصالح المشتركة، وأن مستوى قبول الأمريكان بالسعودية والسعوديين أزال أي كلفة سياسية قد تتحملها أي إدارة مقيمة في البيت الأبيض. وبالعودة لجدول الزيارة فإن سمو الأمير محمد بن سلمان سيجري عدة حوارات مع رؤساء تحرير كبريات الصحف الأمريكية، وذلك أمر يؤكد مدى اهتمام الرأي العام والإعلام الأمريكي بهذا الشاب العازم على التغير.

عندما سئل الرئيس ترمب عن شكل المآلات المحتملة من إيران وملفها النووي أجاب «سوف أعلن عن ذلك بعد شهر»، وأضاف «لن نتعامل مع أي دولة تدعم الإرهاب». وبالرغم من أن بعض قراء السياسة ذهب إلى أن تلك الجزئية موجهة إلى قطر، إلا أنه قد يكون الأصوب أن الرسالة كانت تأكيد واشنطن للرياض بأن رؤيتهما باتت أكثر تقاربا إن لم نقل متطابقة في استراتيجية إعادة الاستقرار للشرق الأوسط، وأن واشنطن ستعبر عن ذلك عمليا خلال الفترة القادمة عبر سياسات جديدة في ملفات عدة. ذلك تحديدا ما كانت تنشده الرياض عبر تعاطيها الهادئ من القرارات الأخيرة للرئيس ترمب.

تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية الممتدة عبر ثمانية عقود كان إحدى الأدوات التي أتقن سمو الأمير محمد بن سلمان توظيفها في مستهل زيارته للولايات المتحدة، لكنه أضاف إليها ضرورة بناء جسور ثقافية وإنسانية، لأنها هي فقط الضامنة لاستدامة علاقة استراتيجية ستخدم مصلحة الشعبين. العالم اليوم يحلم بأن يخرج علينا قائد يحمل شمعة في ظلام الفوضى الذي يلف العالم، ويبدو أن هذا الأمير الشاب سيكون مصدر إلهام للكثير من الشباب حول العالم، لأنه يحمل حزمة من الآمال أبهرت حتى التاجر قاطن البيت الأبيض.

aj_jobs@