حسن علي العمري

الرشوة الحكمية

الثلاثاء - 20 مارس 2018

Tue - 20 Mar 2018

ألحق المشرع عددا من الأفعال المرتبطة بالوظيفة العامة بجرائم الرشوة عندما يمارسها الموظفون ومتلقو الخدمة دون أن يلقوا لها بالا ـ كونها لا تجني في غالبها فوائد آنية للموظف نتيجة استجابته لها ـ لسد الثغرات التي تحيط بجدار النزاهة المنصوب على الوظيفة العامة، مكتفيا لإتمام هذه الجرائم بقواعد التجريم العامة مبقيا يد القانون منسدلة تطال كل جرم يتسلل لهذه النزاهة حتى لا يفلت أي مجرم من العقاب.

من هذا المنظور تأتي قوانين مكافحة الرشوة لتجرم أفعالا تعدها عدوانا على الوظيفة العامة، رغم كونها لا تنطبق عليها شروط وأحكام الرشوة الحقيقية أو المادية، معتبرة اشتراك الغاية من هذه الأفعال مع غايات الرشوة عله لتجريمها.

ويتوسع الوعاء القانوني ليضم أفعال الرجاء والوساطة والتوصية للموظف العام، وتجعل من استجابته لأي منها جرائم في حكم الرشوة فيما إن قام بها أو امتنع عنها فأخل بواجباته نتيجة لذلك، وعدتها صارفة لاهتمام الموظف عن أداء واجباته وفق مقتضاها، حتى لا تتحول الوظيفة ميدانا للتفرقة والتمييز تبعا لقيام أو انعدام صلات القرابة والقبيلة والصداقة مع هذا الموظف أو ذاك، لتصبح خدمة المرفق تدور وجودا وعدما مع هذه الصلات بفضل موظفين فقدوا إحساسهم بالمسؤولية وذهبت كراماتهم وتلاشى لديهم شرف الوظيفة حتى قلت الثقة في موظفي الأجهزة الحكومية وخدمات مؤسسات الدولة، حتى يضطر الأفراد عند قضاء خدماتهم للبحث الدائم والمستمر عن معارف وأقارب لهؤلاء الموظفين بعيدا عن سلامة طلباتهم ومدى توافقها مع صحيح الأنظمة المرعية من عدمها.

والأفعال المشار لها سلفا ليست اتجارا بمعناه الصريح في تجريم فكرة الرشوة، لأن الاتجار في حقيقته يفترض مقابلا نظير العمل، إلا أن هذا الشرط متخلف عنها، لأن المشرع شرط لقيامها كجريمة أفعال القيام أو الامتناع أو الإخلال كلزمة لاعتبارها جريمة مكتملة، وهذا جوهر اختلافها عن الرشوة المادية، وبالتالي فلا يمكن تطبيق نصوص الرشوة الأصلية عليها ليأتي المشرع في تجريم هذه الصور الخاصة بنص مستقل مراعيا تخلف المقابل للقيام بها ليقرر عقوبتها النظامية بشكل أخف بكثير عن الرشوة المادية في صورتها الحقيقية كون الفائدة في غالب صورها هي معنوية بحتة.

وتبقى جرائم الرجاء والوساطة والتوصية عمدية، لأن القصد الجنائي هو القصد العام، فيما لا يمكن دفع المسؤولية عن الموظف بدعوى أن التوصية كانت في حقيقتها أمرا لم يكن بوسعه حينها أن يخالفه لأنه صادر من رئيس تجب طاعته فيما إذا كان يدرك واقعا أن ما صدر إليه كان على وجه المخالفة.

ويظل ظاهر النص من الوضوح بجلاء أن جريمة الاستجابة للرجاء والوساطة والتوصية لا تقوم إلا باستجابة الموظف لها ولما طلب منه، فإن لم يستجب لمثل ذلك فلا جريمة ولا عقوبة لعدم تضمين النص ذلك لا على الموظف ولا على باذل الرجاء وخلافه، كما لا يمكن عدها شروعا في الجريمة لذات السبب، ولا يتحقق مفهوم الاشتراك لباذل الرجاء أو الوساطة أو التوصية لتوقف نشاطه عند حد الشروع في الاشتراك لتبقى عقوبته على هذا النشاط مسألة تقديرية لجهة إصدار العقوبة.

1 الموظف العام لا يجب أن يتقاضى على أداء واجباته الوظيفية أجرا أو ميزة سوى ما تقرره له الدولة من مرتب أو بدل أو علاوة.

2 علة التجريم لكافة صور الرشوة أنها تسقط كرامة الوظيفة العامة والموظفين وتجعلهم ألعوبة في أيدي غيرهم متطلعين للبحث عن أي فائدة من أي عمل يقومون به.

3 عاقب النظام مرتكب جريمة الرجاء والوساطة والتوصية بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد عن مئة ألف ريال أو بإحداهما.

[email protected]