مرزوق تنباك

لا تقرأ الكتاب من عنوانه

الثلاثاء - 20 مارس 2018

Tue - 20 Mar 2018

في هذا الأسبوع، وفي الأسبوع الماضي، كان أهل الرياض على موعد مع معرض الكتاب ومع الثقافة ومع الاحتفال بما يقدمه الفكر الإنساني وتسطره أقلام الأدباء والعلماء والمفكرين والمثقفين من كل الأقطار العربية والمحلية، ومن الجنسين الرجال والنساء الذين يؤلفون في شتى الفنون والمعارف، وهذا المعرض يتكرر في كل عام في الرياض مرة، وفي غير الرياض مرات كثيرة، والناس هنا مقبلون على اقتناء الكتاب وحريصون عليه، ودليل ذلك الإقبال العدد الكبير الذي يتوجه إلى معرض الكتاب أينما وجد، إلا أن الرياض بحكم توسطها مكانا وازدحامها سكانا ينال معرضها اهتماما من الجميع، وتحرص دور النشر العربية والمحلية على المشاركة فيه، وهذا الحرص يعطي الفرصة بعرض آخر ما أصدرته دور النشر من جديد. ولا شك أن مواسم الكتب غير كل المواسم التي تمر من وقت لآخر. في حقيقة الأمر أن طباعة الكتاب ونشره وعرضه صناعة ككل الصناعات تحتاج إلى الجودة والخبرة والتجربة في بنائه العلمي وفي دوره الثقافي وفي مضمونه وحتى في شكله وإخراجه، واختيار الكتاب المناسب لاقتنائه يحتاج أيضا إلى دقة ومعرفة وخبرة تجعل اقتناء القارئ للكتاب موافقا لحاجته وملبيا رغبته ومناسبا لما يريد من المعرفة.

نعم يسعد الإنسان أن يرى العدد الكبير من الناس يتوجهون إلى معرض الكتاب، ويسعده أكثر أن يكون الشباب من الجنسين بنين وبنات هم أغلب من يأتون إلى المعرض ويترددون عليه، وهم الذين يملؤون ساحاته ومدرجاته ويزدحمون على دور النشر والمكتبات ومنافذ البيع المنتشرة التي جاءت من كل البلاد العربية تحمل إصداراتها الجديدة منها والقديمة في محتوياتها والمتنوعة في اختياراتها، وهذا هو الأمر الأهم، وأما المهم جدا فليس شراء الكتاب والحصول عليه، ولكن اختيار الكتاب الذي تريده وتنسجم مع موضوعه وترتاح في قراءته وتستفيد منه دون ضياع الوقت في ردهات المعرض تفتش في العناوين التي قد يصدق بعضها ويغرر الكثير منها، فلم يعد الكتاب يقرأ من عنوانه كما كان يقول الناس في القديم، العنوان في بعض الحالات صار مضللا لا يعبر عما بين دفتي الكتاب، وغلب عليه الحس التجاري والاستعجال في معالجة الموضوع الذي يتصدى له المؤلف. وقد يسأل بعض القراء ما الكتاب الذي يوصى بقراءته وما الكتاب الذي يجب أن أقتنيه؟ وهو سؤال مشروع ومهم للشباب الذين يتطلعون إلى تكوين بدايات حقيقية لمعارفهم وتنويع ثقافتهم، وأول ذلك وأهمه هو تكوين المكتبة الشخصية وتزويدها بما يريد طالب المعرفة العودة إلى قراءته عند فراغه، واختيار الأفضل من الكتب والأقرب لميول الإنسان واهتماماته وما يلبي حاجته المعرفية، ولكن في الوقت الراهن ومع كثرة ما تدفع به المطابع من المؤلفات فإن الاختيار قد يكون صعبا على المبتدئين، والكتاب الذي تقتنيه يحتاج إلى خبرة ودربة وتقدير للجهد الذي تبذله، فقد تشتري كتابا لا يكون هو ما تريد، وذلك يضاعف متاعب الباحث غير المتمرس حين لا يسهل عليه الوصول إلى الكتاب الذي يلبي حاجته ويتفق مع ميوله. بعض القراء يقعون ضحية أسماء مؤلفين مشهورين أضفت شهرتهم على أعمالهم انتشارا قد لا يتفق مع رغبة القارئ العادي أو المبتدئ، وكذلك الزمن الذي ينشر فيه الموضوع الذي يعالجه المؤلف، كل ذلك يعد أمرا مهما في وقتنا الحاضر، فلم يعد الكتاب وحده هو مصدر المعرفة ولا سيما أن المزاحمة للكتاب أصبحت قوية من وسائل التثقيف الكثيرة الأخرى.

Mtenback@