التجربة الماليزية والقدرات الصناعية للمملكة

الاثنين - 19 مارس 2018

Mon - 19 Mar 2018

قبل أكثر من عشرين عاما مرت بعض دول العالم بمرحلة تحول جذري في بنيتها الاقتصادية حتى أصبحت ضمن قائمة الدول المتقدمة صناعيا في فترة وجيزة نسبيا، ومن هذه الدول ماليزيا صاحبة التجربة المثيرة للإعجاب في توطين الصناعة، فهذا البلد الذي كان يعتمد على تصدير المواد الأولية البسيطة أصبح من أكبر الدول المصدرة للمنتجات الصناعية في قارة آسيا بفضل تبنيه لبرنامج إصلاح اقتصادي وطني وازن بين تقديم التسهيلات للمستثمرين وبين دعم ممكنات الصناعة المحلية، وهي جهات التمويل الحكومية والخاصة، ووضع خططا متوسطة المدى لتوطين الصناعة في المنتجات الأكثر طلبا في السوق، أو ما يعرف بإحلال الواردات، فعقدت الحكومة الماليزية خلال تلك الفترة الشراكات مع الشركات الأجنبية لتصنيع السلع التي تنتجها هذه الشركات داخل ماليزيا، ووضعت أيضا خططا مرحلية لتوطين التقنيات المتقدمة وتطوير بعض منها وامتلاك الحقوق الفكرية للمنتجات المطورة باستخدام هذه التقنيات وتصديرها إلى العالم، حتى باتت تعرف بأنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي يصنف اقتصادها ضمن الاقتصادات المتقدمة من حيث النوع وليس بحجم الناتج المحلي.

مرت ماليزيا تقريبا بنفس ظروف المملكة ابتداء من استقلالها عام 1957 وحتى عام 1990 «عام إطلاق رؤيتها 2020»، واليوم وبعد مرور عامين تقريبا على إطلاق رؤية المملكة 2030، قد يكون من المناسب النظر إلى الدروس المستفادة من التجربة الماليزية وتطبيقها على أرض الواقع مع الأخذ بالاعتبار اختلاف الجوانب الثقافية للعمل والتعليم بين البلدين، والارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية وصولا لمرحلة التكامل والتنسيق بين البلدين لتأسيس تكتل اقتصادي إسلامي قوي يضم عددا من الدول الإسلامية ذات الاقتصادات الفاعلة كإندونيسيا وتركيا وغيرهما بهدف زيادة حجم التبادل التجاري ودراسة فرص التعاون المشتركة، على غرار التكتلات الاقتصادية الأوروبية والأفريقية واللاتينية وغيرها.

نمتلك في المملكة قدرات صناعية رائدة في البتروكيماويات والحديد والصلب، وفي المقابل تنقصنا الخبرات التقنية في هذه المجالات، والسبب في ذلك يعزى إلى تهرب شركات القطاع الخاص المالكة لتلك القدرات من الاستثمار في الأبحاث التطبيقية التي تساهم في تطوير منتجاتها نتيجة لضعف الثقة في الكوادر الوطنية ولارتفاع نسب المخاطرة في مثل هذا النوع من الاستثمار؛ الأمر الذي يقودني لاقتراح قد يساهم في سد هذه الفجوة وهو أن تقوم صناديق الدولة الاستثمارية بالشراكة مع شركات القطاع الخاص بتمويل مشاريع البحث والتطوير ذات نسب المخاطرة العالية، وتحمل جزء من الخسارة في حال لم يحقق المشروع أهدافه، ودعمها تنظيميا ومعنويا في المشاريع ذات نسب المخاطرة المنخفضة، وبذلك تتولد لدى هذه الشركات حالة من الطمأنينة حيال هذا النوع من الاستثمار، فنحن قد قطعنا شوطا كبيرا في توطين بعض الصناعات ولكننا لم نهتم بما يكفي لتوطين التقنيات القادرة على تطوير هذه الصناعات؛ لتمكين منتجاتنا من المنافسة الدائمة في الأسواق العالمية.

@alyemni_aziz