أهمية السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية

الاثنين - 19 مارس 2018

Mon - 19 Mar 2018

إقرار مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لسياسة وطنية لبرنامج الطاقة الذرية هو خطوة مهمة جدا، كما تصب في خدمة أهداف رؤية السعودية 2030 الطموحة. هذه السياسة تتضمن عناصر أساسية من أبرزها سلمية هذا البرنامج بمعنى استخدامه في توليد الطاقة الكهربائية مع الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية من الخامات النووية، وكذلك الشفافية في الجوانب التنظيمية والتشغيلية ومعايير الأمان والتعامل مع النفايات الإشعاعية. فهذه العناصر تتلخص بنقطتين جوهريتين، وهما إيجاد مناخ جاذب للاستثمارات المحلية والأجنبية في مجال الطاقة الذرية، وتأكيد الاستمرارية في البرنامج النووي السعودي والذي ظهر للعلن مع إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة.

لذا يمكننا القول إن هذا التوجه العملي ضروري لأنه يشكل نقلة نوعية في التعامل مع قضايا الطاقة والتنمية الاقتصادية التي تواجهها المملكة حاليا. فهذه الخطوة تؤكد التحول عن وجهة النظر القديمة التي اعتبرت استثمار دولة نفطية في مصادر أخرى للطاقة كالطاقة النووية هو استثمار في البديل المنافس، وليس استثمارا في مصادر مكملة للنفط والغاز.

فالطاقة الذرية تعتبر خيارا عمليا، حيث إنها تشكل حوالي 19% من الطاقة الكهربائية المنتجة عالميا، فلقد تم تجربتها في السابق ولا زالت تسهم في تنويع مصادر توليد الكهرباء. تتميز الطاقة النووية بانخفاض تكلفتها الكلية، حيث إنه رغم ارتفاع تكلفتها الرأسمالية إلا أن انخفاض تكلفتها التشغيلية وقدرتها على العمل بشكل مستمر يجعلها رخيصة جدا. كما تتميز بالكفاءة الحرارية العالية ونظافتها البيئية حيث لا يصدر من محطاتها أي غازات ملوثة، إلا أن الذي يحد من توسعها هو محاذير الأمن والسلامة وكيفية التخلص من مخلفاتها الإشعاعية. هذه الإشكالات يمكن التخفيف منها بتبني أساليب مشابهة لأسلوب تقنية الطبقات الحصوية المستخدمة في مفاعلات الجيل الرابع وتهدف لتقليل الإشعاعات وتدوير النفايات النووية.

وعليه فإن التوجه إلى الطاقة النووية يدعم تطوير قطاع الطاقة في المملكة بمختلف مجالاته، ويحافظ على حصة النفط في الاستهلاك العالمي من الطاقة وموقع المملكة المهم في السوق النفطية. إلا أن هذا يتطلب استخداما أمثل للنفط، حيث إن الاستهلاك المحلي من المشتقات النفطية ينمو بمعدل مرتفع جدا، ولذا، فإن استمرار تزايد الاستهلاك المحلي قد يحد من قدرة المملكة على تصدير النفط خلال سنوات قليلة مما يوجب أسعار اقتصادية للطاقة تعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج.

وإذا كان تحقيق مرونة في إنتاج النفط وتصديره يتطلب تشجيع الاستهلاك المحلي من الغاز خاصة في توليد الكهرباء، فإن هذا قد يضيع فرصة استخدامه في الصناعات البتروكيماوية ذات العائد الاستثماري الأعلى. وبالإضافة إلى أن تلبية الحاجات المحلية للطاقة سيؤدي إلى توجيه الغاز إلى قطاعات ذات قيمة مضافة أقل، في وقت لا زال فيه قطاع الكهرباء بحاجة لتحسين كفاءته الإنتاجية وخفض كلفته التشغيلية. فقطاع الكهرباء في المملكة بحاجة إلى البحث عن بدائل غير النفط والغاز لدعم قدرات التوليد المطلوبة لتلبية الطلب المحلي على الكهرباء الذي ينمو بمعدلات عالية، ولذا فإن اللجوء إلى مصادر إضافية للطاقة الكهربائية مثل الطاقة النووية له مبرراته مثل سد الحاجة المتنامية إلى الكهرباء وأيضا إنتاج الماء العذب بتكلفة منخفضة، والإسهام في المحافظة على النفط والغاز القابلين للنضوب.

إن هذه الاستراتيجية التي يدعمها إقرار السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية سوف تؤدي بمشيئة الله تعالى في نهاية المطاف مع تكامل الجهود المخلصة للوصول إلى الأهداف الوطنية المنشودة والمتمثلة في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

anrajhi5050@