محمد أحمد بابا

خطاب القصيبي في مجلس الشورى

الاحد - 18 مارس 2018

Sun - 18 Mar 2018

من غير «بشت» أقف أمامكم فقد «اعتدت عدم لبسه في زياراتي»، وهذه فرصة أن أبعد عنكم شبح الخوف مني فتقلقون، فلست بمسؤول اليوم، لكني باسم وطني الذي تفضل علي بتخليد كتبي أقول لكم: إن «أي حوار لا يمكن أن يتم في وجود التشنج» وأنا هنا بينكم أهدأ مما كنت عليه حيث يعرفني بعضكم قبل موتي.

أنتم كمجلس وثقت فيه القيادة يجب أن تعلموا بأن «صانع القرار لا يتخذ أي قرار حتى تكتمل لديه المعلومات»، ومسار التدفق المعلوماتي اليوم سهل وميسر حين تلتفتون لوسائل التواصل بينكم والمواطنين.

ثم إنكم من المؤكد تفهمون بأنه «يجب أن لا تتعاملوا مع أي قرار قبل أن تكون لديكم الصلاحيات الضرورية لذلك»، وأستأذنكم أن تعودوا لنظام المجلس الأساسي ودليل إجراءاته مرارا، فلربما تعودون عن بعض ما شرعتم فيه، وتبادرون لبعض مما أهملتموه.

ولقد استغربت من أن المجلس «لا يبحث عن الشريك الفعلي ليتحمل المهام معه، حتى يجد الوقت الكافي للتأمل والتخطيط للمستقبل»، فشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني الحكومية والأهلية تمنحكم فرصة كبيرة للقرب من واقعية التشاور.

اسمحوا لي أيها الأعضاء في المجلس الموقر أن أسألكم هل «اختبرتم بأنفسكم خدمة أي جهاز إداري» أنتم بصدد مناقشة موضوع يخصه؟ وحسب إجابتكم ستقيسون رضا أنفسكم عن مخرجاتكم، في مقابل وجهة نظر الشارع عنها.

ومن أهم ما ألفت أنظاركم له إخوتي «لا تختلقوا جدوى لا توجد» فتبرير رأي لمجرد الرأي، وتوصية لمجرد ملء الفراغ كارثة شورية عظيمة.

أجدني مضطرا لأن أقول لكم «إن القدرة على شرح القرار، والكثير من الصبر» مهارتان أتمنى - رغم رفعة مكانتكم - أن تولوهما اهتمام تنمية وتدريب، فكثير من الصحيح ضاع لصالحكم نتيجة عي إيصال، ثم ردة فعل بسبب شخصنة تهور.

متأكد أنا - رغم بعدي عنكم - بأنكم تعملون، لأنكم تخطئون «فالذي لا يخطئ لا يعمل»، فأملي اعترافكم بالخطأ وتصحيحه واستثمار الفرصة السانحة للتعلم من الأخطاء، فالمشورة الخاطئة كالفتوى الخاطئة.

أنتم أعضاء في مجلس شورى أهم دولة في العالم الإسلامي والعربي، من المحزن وقد حفزكم ولي الأمر على التجديد أن أسمع وأرى من بعضكم عدم القناعة بأن «محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة من يعتنقون أفكارا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت»، وأنتم في وقت من ذهب، وجهد من وطن.

ألا توافقونني

- أيها الأعضاء الموقرون - أنه «يخطئ خطأ فادحا الفرد منكم عندما يستخدم أسلوبا عنيفا في سبيل الوصول إلى هدف إذا كان بوسعه استخدام الرقة»؟

فالحساسية لدى غالب المواطنين تجاه نقاشاتكم وتوصياتكم ومقترحاتكم تحتم عليكم اللين واللطف في الخطاب والطرح والجدال، فالشعب يحب أن يشعر أنكم تمثلونه نوابا عنه.

ثم إنني أنقل لكم اعتقادي الجازم بأهمية أن «لا نذهب إلى عمل جديد إلا بعد أن نعرف كل ما يمكن معرفته عن العمل الجديد» فالمعرفة أم الاستشارة، وأساس متين للمشورة، وداعم كبير للقناعة، فاعرفوا حال مجتمعكم قبل فرقعات مقترحاتكم، وصلوا رحم الشعب بأن تصلوا إليه، فيعرفكم، فتكتمل الشورى لديكم.

أذكركم - وأنتم لذلك أهل - بأن «‏احترامكم للناس، لا يعني أنكم بحاجة إليهم، فتلك أخلاقكم حتى وإن كانوا لا يستحقون»، والناس ينتظرون قربكم منهم بالحسنى، لا أبراجا عاجية يخافون حتى النظر إليها.

وأخيرا: وجدت من مراس طويل أهديه لكم لعله ينفعكم ملخصه أن «‏‏المسؤول الذي ينفق وقته في التوافه، لن يجد متسعا من الوقت للعظائم»، ومقياس ذلك هو المستفيد، لا رغبتكم في الاقتراح.

شكرا لكم، وربما ألتقيكم في دورتكم القادمة وقد حصدت من ترحماتكم ما يغفر الله به لي ولكم، والسلام.