عبدالله المزهر

أدب الحوار الوطني!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 18 مارس 2018

Sun - 18 Mar 2018

من الجهات الحكومية التي تحمل اسما لطيفا وله دلالات جميلة مركز «الحوار الوطني»، وأتمنى بالفعل أن يكون اسما على مسمى، لأن لدي مشكلة مع الأشياء والأشخاص والكيانات التي لا علاقة بين أسمائها وحقيقتها، مثل إمامنا جميل الرويلي الذي يعد مثالا صارخا وواضحا على هذه المشكلة.

لأن فكرة الحوار تعني طرفين أو أكثر لديهم آراء مختلفة ومتناقضة يرتكبون «فعل» الحوار للوصول إلى نقاط التقاء، أو إلى مرحلة فهم كل منهم للآخر وتفهم الآراء المختلفة والتعايش معها.

أما حين يجتمع أكثر من شخص أو جهة يحملون ذات التوجه، وذات الفكر ولديهم نفس الآراء فإن هذا ليس أمرا سيئا لكنه ليس حوارا.

وفكرة الحوار تحتاج إلى جرأة حتى تلقى قبولا لدى الناس أو المواطنين الذين يعنيهم «الحوار الوطني»، لأنه يمكن التسويق للمركز إعلاميا والحديث عنه بشكل إيجابي في المقالات و»الحوارات» التلفزيونية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الناس سيقتنعون بجديته. التوجيهات المباشرة والشعارات الكبيرة واستخدام المصطلحات المخيفة لم يعد لها تأثير على الناس لأن مصادر التلقي تعددت وتنوعت، والناس في الغالب يصدقون ما يشاهدون بأعينهم أكثر من تصديقهم ما «يسمعون» عنه.

حين انطلق مركز الحوار الوطني كانت بدايته قوية وشهدت حوارات ونقاشات جريئة وشفافة إلى حد كبير، لكنه تحول تدريجيا من الحوار إلى «الوعظ والنصائح» وأصبح المركز وأدواته هم من يتكلم فقط دون حاجة لسماع آخر أو التحاور مع أحد.

الأوامر الملكية الأخيرة شهدت تغييرات في قيادات المركز وهذا شيء جميل وله دلالاته، التي منها أنه يتوقع من المركز دور فعال في «الحوار»، الذي هو اسمه ويجب أن يكون فعله أيضا.

قبل أيام استضاف المركز ليلة أدبية متميزة بمشاركة الموسوعة العالمية للأدب العربي «أدب»، وهذه الخطوة ربما تعني ـ وهذا ما أتمناه ـ أن المركز بقيادته الجديدة يريد أن يبدأ مرحلة جديدة يفتح فيها أبوابه للشباب والفعاليات الثقافية والأدبية، وأن يكون صالونا وطنيا للحوار والنقاش والثقافة والأدب والسياسة والتاريخ والاجتماع. يجتمع فيه العاديون الذين لا يظنون أن عدم لبس «البشت» من خوارم المروءة، أن يفتح أبوابه للمفكرين والأدباء الشباب، الذين لديهم أشياء يريدون قولها لكنهم لا يجدون من يسمعهم. وأن يحاول ـ ما استطاع إلى ذلك سبيلا ـ أن ينأى بنفسه عن الداء الذي أصاب كل فعالية وكل تجمع، وأعني «مشاهير وسائل التواصل الفارغين» الذين يتحول معهم كل شيء إلى «سلعة» وإعلان. وأن يبتعد قليلا عن المواعظ التي تحدث الناس عن الوطن، ليس اعتراضا عليها ولكن لأنها ليست «حوارا».

وعلى أي حال..

أنا متعصب لأي فعالية تخص «أدب»، وأحب بشكل تلقائي كل من يستضيف فعالية تخص هذه الموسوعة. مع أنه لم يعد لي علاقة بها الآن، ولكني أفعل ذلك من باب الوفاء لذكرياتي وللأيام والليالي السوداء التي قضيتها أبحث عن الشعراء الأحياء منهم والأموات لنشر دواوينهم وقصائدهم، وشتم بعضهم والترحم على آخر.

@agrni