رحم الله امرأ قَاطَعَ

السبت - 17 مارس 2018

Sat - 17 Mar 2018

أحكمت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم قبضتها على النفوس، وأصبح لها سلطانها الذي ارتهنا له كثيرا.

وابتلينا بالتعلق الشديد بهذه الوسائل على اختلافها، وتملكنا «الهوس» بمتابعتها، حتى لا يقر لنا قرار ما لم نتجول فيها ونتابعها على مدار الساعة، بل دقيقة بدقيقة وثانية بثانية. فما الذي جنيناه من هذا الولع؟ أم كنا نحن المجني عليه؟ افتراض - بل واقعية – أن لكل شيء جانبين أو حدين «إيجابي وسلبي» يصدق على وسائل التواصل الاجتماعي. وإيجابيتها متحققة متى ما كان تعاطينا مع هذه الوسائل راشدا. أما جوانبها السلبية فقد طغت على إيجابياتها طغيانا أحدثه سوء التعاطي ولا شك. ومن سيئاتها وسوءاتها، إشاعة الهرج والتزيد في القول والأخبار، ولا عجب، إذ هي وسيلة بضاعتها - بل رأسمالها - الكلام المزجى بلا أدنى تحسب. والأدهى من ذلك أن هذه الوسائل سطحت فكر الناس وعقولهم، وتسفلت بها، لانزلاقهم في الشائعات وتلقفها وتداولها دون أدنى تمحيص، حتى إنك لتعجب كيف تتجاسر العقول على تناقل بعض الأخبار والمواد التي لا تشبه إلا عقول أهل الخرافة؟

وأضرب مثلا لبعض هذه الأخبار – أقصد الخرافات – التي يروج لها المنساقون وراء شائعات وسائل التواصل:

- «فيديو للملائكة وهي تخترق الكعبة ليلة القدر»، وتطوع كل من لديه وسيلة في تناقل هذا الفيديو في العشر الأواخر.

العقل - إن صح – أملى على صاحبه أن ليلة القدر لا يحددها إلا مدع، أفينطلي عليه بعد ذلك مثل هذا الخبر. وأن هناك من شاهد الملائكة عيانا؟

ومن أمثلة هذه الأخبار أيضا:

- «ظهور خمسة ملائكة في الحياة الحقيقية وتم تصويرهم».

- «بالحساب موعد ظهور المهدي المنتظر ونهاية أمة الإسلام بنزول سيدنا عيسى عليه السلام». فضلا عن الأخبار المتلاحقة عن علاجات للأمراض المستعصية، والوصفات التي تصبحنا وتمسينا، والخلق مجتهدون في النشر بصورة مزعجة!

ومن آثارها السالبة فقد الموعظة تأثيرها في النفوس؛ فقد كانت الموعظة لها قيمة حين تلقى، والآية والحديث والأثر غالية حين تعرض، واليوم هي من جملة المعروض، حتى لم يعد لها تأثير في النفوس لكثرة ما ترد، ولأن موردها ربما كان مثالا صارخا لما يبهت معناها. كما أن هذه الوسائل أسهمت في تجافي الناس عن الإخلاص، وميلهم نحو المراءاة والشكليات، ولم تعد هناك خبيئة العمل الصالح؛ فالمتصدق والمعتمر وقارئ القرآن والمحسن بأي نوع من الإحسان صالحاتهم تفعل على رؤوس الأشهاد. فأين الإخلاص؟ كما أن هذه الوسائل خلخلت إيمان الناس بالمسلمات، وشككت عمدا فيها؛ بإثارة الجدل حولها. فأصبحنا نرى قضايا الديانة تعرض على الناس ويستفتى فيها العامة، ويخوض فيها الخائضون، ولا تسل بعدها عن جرأة الأجيال على دينهم ومقدساتهم. ومن جناية هذه الوسائل أنها أوقعت الكلفة في العلاقات الاجتماعية، وفقد الناس بساطة التواصل، وربما كرهوا انبعاثه؛ لتبعات «حفلات الاستقبال» الباهظة، حتى أصبح الناس لا يتزاورون دون استئذان ووعود مسبقة مغلظة.

سميت «وسائل التواصل الاجتماعي» زورا وبهتانا، إذ لم تكن حقيقتها غير «التقاطع»، وإن حدث وصل فهو في غير محله.. وللكلام بقية.