آلاء لبني

التغير وفصول السنة

السبت - 17 مارس 2018

Sat - 17 Mar 2018

الحياة فصول متغيرة كفصول السنة تزهر أزهار العمر فيها وتثلج وتتجمد دروبها وما تلبث أن تذوب بحرارة خيوط الشمس، ربما في أرضنا لا نلاحظ مدى التنوع في فصول السنة والتغيرات التي تحدثها منظومة الحياة، وكيف يكون الخريف آخاذا بكومة أوراق متساقطة معلنة تكيفها، وكيف تستطيع أزهار الزنبق تلوين الشتاء رغم قسوة البرودة .

سنة هذا الكون التغير والتحرك وعدم الثبات، الأصل أن نختبر بما نمر به في الحياة، وأن نستقي من التفكر فيما حولنا ثباتا وتوازنا نفسيا.

نجزع ونهلع من التغير قال تعالى «خلق الإنسان هلوعا» نضطرب، فالأصل فينا حب ذواتنا للاستقرار وكراهية أي ما يسبب لنا خطرا.

ولكن ليس كل ما نمر به هو شر فلربما ما نظنه شرا هو خير، ألم يقل عمر بن الخطاب رضى الله عنه للرسول عليه الصلاة والسلام: «لم نعطي الدنية في ديننا»؟ في صلح الحديبية، فقد خفي عنه بشرى الفتح والنصر والتمكين.

يتمنى البعض ثبات الأحوال ويعتقد أن جمال الحياة بدوام حالها، لكن دوام الحال من المحال! نفطر على التخوف من التغيير، الإنسان عدو ما جهل. حين كنا صغارا كنا نسمع من يردد أقوالا خاطئة منها «الله لا يغير علينا حال» تخوف عكس المعنى الشامل لحسن الظن وطلب دوام النعم.

كم سطر التاريخ قصصا وأعمارا خالدة، عصف بها التغيير أشكالا ومحنا مختلفة، لا أتحدث هنا عمن يشبهنا دينا أو مذهبا أو شكلا، بل عن كل البشرية دون عنصرية، لو قدر لنا استشراف المستقبل سنفهم ألوان التغير التي تمر بها حياتنا بل حياة الأمم والحضارات والدول.

يوما قرأت منذ سنوات عبارة كوريا الجنوبية من ثالث أفقر دولة في آسيا إلى ثالث أغنى دولة في آسيا، خرجت اليابان مهزومة محملة بالويلات! عزيمة بعض الشعوب تصنع مجتمعات قوية تطرد التقاعس وتسعى للعمل، فالدول مجموعة أفكار وعزائم أفراد مجتمعة.

كيف تكون ويلات الحرب أملا للحياة وسببا للصعود وعند البعض سببا للسقوط والانهيار ونقطة اللاعودة. وما الفرق بين من جعل انسكاب القهوة على ثوبه الناصع البياض مشكلة يزمجر ويعنف من حوله بسببها، وبين من جعل من الابتلاء منحة وهبة إلهية يستكمل بها حياته التي اختارها إضافة عن من يصير من ألمه طريقا ممهدا لغيره.

ابتلاء الدكتور عمار بوقس ودربه الذي شقه بالإخفاقات والنجاحات طوعه لرغبة طموحة لتمهيد الطريق لموهوبي ذوي الإعاقة بتأسيس جمعية الإرادة. درب المستحيل كان أوله تقبل أهله الابتلاء بنفس راضية وتكيفهم مع مرضه وإيمانهم بعطايا الله التي لا تنفذ والقدرات التي أودعها بعمار صنعت من المستحيل أملا وعلما وإنجازا وعطاء.

ستيفن هوكينغ الذي فقد الحركة والكلام بشكل تدريجي ولم يفقد عزيمته وشغفه بالفيزياء، حين وافته المنية قبل أيام انشغل البعض بعقيدته، والأولى أن ننشغل بتلك القوة التي يتحلى بها البعض في استكمال قصص حياتهم كيفما اختاروها لأنفسهم رغم الفصول التي مرت عليهم والصقيع الذي يبس أطرافهم.

العبرة كيف نستطيع صناعة النور الذي يتوهج ونجعل شغفنا بعمل ما يكون طوق نجاة.

فصول السنة وتقلباتها تمر علينا جميعا ونحن نصنع الكثير من الزلازل التي تحطم جبال الإنجاز ولكن لا تنتهي الحياة إلا حين يحين الأجل، هناك عدة طرق للتعلم ومن أصعب الطرق تلك التي نتعلمها من النكبات والتجارب الخاطئة، فمهما بلغ الإنسان من الذكاء والمعرفة والتخطيط والقدرة على استيعاب خفايا الأمور، يظل أعظم قدراته سر التكيف مع الحياة والعطاء في رحم المعاناة والعطاء مع الشدة رغم البلاء. كم نربي أنفسنا على التكيف والعطاء؟ فكمال ذواتنا لا يتحقق بالغرور بما نعتقد أننا نملك من قوة قد تسلب في أي لحظة أو قدرة أو مال أو منصب..إلخ، بل القدرة على التكيف والإنجاز رغم كل ما قد يعتري الحياة.

السر في امتلاك البصيرة التي تجعل الإنسان يتعلم من كل ما حوله ومن كل مصاب، المرض، قلة المال، اضطراب الأحوال، التجارب العديدة تصنع شخصية أقوى وأكثر نضجا وتعمق فهم خوالج النفس وضعفها، كلما كان الإنسان أكثر بصيرة ضرب جذوره في الأرض مددا، وارتسمت حياته بالرضا مهما تراءى للناس حوله سوء حاله.

ليست دعوة للمثالية المستحيلة ولكن الظلمة والانكسار صنعة المتشائمين، فلنتعلم صنعة التكيف والرضا وما أهمك اليوم قد يكون طريقا لغد أفضل.

Alalabani_1@