رجل الأمن.. والصورة الذهنية!!

 

 

الجمعة - 06 مارس 2015

Fri - 06 Mar 2015



أهنئ القيادة السعودية والوطن والمواطنين بالإنجاز الأمني النوعي المشرف لرجال الأمن البواسل في تحرير القنصل السعودي في عدن الأستاذ عبدالله الخالدي، وإصرار رجال أمننا الأوفياء بقيادة الأمير محمد بن نايف على إلحاق الهزيمة بالفئة الضالة، حيث هزموها في هذه القضية مرتين، الأولى بعدم الرضوخ لمطالبها بمقايضة القنصل بمجرمين محكومين، أو بالأموال التي تعلم القيادة الرشيدة أنها لو دفعتها بقصد إنقاذ مواطن محتجز، فستعين الظلاميين على أسر مواطنين آخرين وتكرار المطالبات.

والهزيمة الثانية عندما تمكنت الاستخبارات السعودية من تحرير الشخصية الدبلوماسية باقتدار وحرفية لا يستغربان على رجل الأمن السعودي.

ننام ملء جفوننا عن الشوارد والمتشردين في الشوارع والأحياء، ويسهر نيابة عنا أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه في صيانة أمن هذه البلاد على حدودها، وفي أبعد نقطة في أعماقها، مدربين ومهيئين بجاهزية عالية لمواجهة كل الطوارئ الأمنية، ربما لا نشعر بمعظم مهامهم إلا من خلال الأخبار عبر وسائل الإعلام.

إنهم رجال الأمن الأوفياء بكل أطيافهم ومهامهم في وزارة الداخلية ورئاسة الاستخبارات العامة ووزارة الدفاع، فمهما شكرنا هؤلاء الأشاوس فلن نبلغ التعبير الذي تكنه صدورنا لهم.

تستفزني الدراما العربية والخليجية أثناء تصويرها رجال الأمن في تلك الأدوار الهامشية، فغالبا ما يصورون رجل الأمن شخصا واقفا خلف الباب، يناديه باستعلاء (يا عسكري) رجلٌ يجلس على مكتب بزي عسكري أو مدني أحيانا، ودوره أن يدخل في هيئة رثة، وبدلة عسكرية فضفاضة، يؤدي التحية العسكرية للجالس ويسحب المتهم ويخرج، دون أي اعتبار لكينونته، وما يمثله لمجتمعه.

لو تأملنا الدراما الأمريكية الأكثر انتشارا على شاشاتنا، سنرى كيف يصورون رجل الأمن بهيئته المهيبة وقوته، واحترامه الذي يفرضه على الجميع، واستهدافهم للرتب الصغيرة (العريف والرقيب) بعيدا عن رتب الضباط الكبيرة، وكأنهم يقولون إن هذا الرجل الذي يخاطر بنفسه من أجلنا هو لبنة الأمن الأولى، والذي يجب أن تكون صورته الحسنة هي الأساس، وتكون الاعتبارات الأخرى في الرتب المستحقة بالشهادة أو الفترة الزمنية مبنية على هذا الأساس الحسن في صورة رجل الأمن المجرد.

وبعيدا عن الدراما العربية والأجنبية، نلحظ هضم حقوق رجل الأمن حتى في إعلامنا المحلي، والتغطيات الصحفية، فجل جهود رجال الأمن (الأفراد) ومنجزاتهم يجيرها بعض الإعلاميين إلى الضباط، فالحوادث المرورية أو الحرائق أو الحوادث الأمنية دائما ما تبرز صورة الضابط المسؤول بعيدا عن ذكر التضحيات التي بذلها رجل أمن برتبة صغيرة فلا يستحق في عرف هؤلاء حتى الذكر.

كل هذه الممارسات تنبثق بفعل ثقافة متجذرة في الذاكرة الجمعية لمكانة الضباط، وقوة مراكزهم حتى أخذوا الهالة الأكبر وأصبح الأفراد (القاعدة الأساسية للأمن) في منطقة الظل والهامش، على المستوى الاجتماعي، فيكفي أن تقف في نقطة تفتيش لتسمع أحد المخالفين للأنظمة المرورية أو الأمنية ينهر فردا ويطالبه بحضور الضابط، والغريب أن بعض رجال الأمن يذعنون ربما لعدم إلمامهم بالأنظمة التي تخولهم بالتعامل مع مثل هذه الحالات، وربما لفرح بعض الضباط بممارسة هذا الدور الذي يشعرهم بالأهمية، لكن علينا أن ننظر إلى الحالة النفسية التي يعيشها رجل الأمن عندما يوضع في هذه الخانة البائسة.

انتقلت هذه الصورة بدورها إلى الخطاب الإعلامي والدرامي، الذي استمر يكرس ذات الصورة الذهنية عن رجل الأمن، وللأسف ستستمر هذه الصورة على هذا المنوال ما لم تتخذ وزارة الداخلية تدابير حقيقية تعزز صورة رجل الأمن بحجم المنجزات المعلنة وغير المعلنة التي ينجزها هؤلاء الأبطال بصورة يومية.

إن تعزيز صورة رجل الأمن بكل إيجابياتها ستخلق في أذهان النشء صورة مغايرة للصورة الحالية لرجل الأمن المهمش الذي لا يستطيع التصرف إلا بتوجيه آمره، أو شخصية رجل الأمن المتسلط القامع للحريات، لا سيما ورجال الأمن اليوم يتمتعون بمستويات علمية ومهارية متقدمة عما كانت عليه في السابق، ولديهم لباقة ولياقة في التعامل مع الجمهور تساعد في رسم الصورة الحسنة والمحببة، ستنعكس حتما على التعاون مع الجهاز الأمني في تأدية مهامه، وسيبرز دورها في التعامل المبني على الاحترام المتبادل أيضا بين الشباب ورجال الأمن.

أرجو أن تبادر وزارتا الثقافة والإعلام والداخلية إلى إعلان (يوم رجل الأمن)، وأن يجد هذا اليوم مكانه بين الأيام العالمية بدعم سعودي يوازي دور المملكة في حربها على الإرهاب، وسيجد في المجتمع والميدان التربوي بيئة حاضنة مميزة، كما أرجو أن تبث وزارة الداخلية أفلاما وثائقية تبرز جهود رجال الأمن ومداهماتهم وعملياتهم المعلنة وتضحياتهم المميزة، تزيد من ثقة رجال الأمن بأنفسهم، وترسم صورتهم المستحقة في أذهان النشء، فيرونهم الأصدقاء الذين يحمونهم ويحمون مقدراتهم ومستقبلهم على أرض الوطن الغالي.