جوار العرب وذمة الإسلام

السبت - 10 مارس 2018

Sat - 10 Mar 2018

يقف الفارسان الضرغامان ربيعة بن مكدم ودريد بن الصمة، الشاعر المعروف، بعد جولة تصارع فيها ربيعة مع فرسان دريد وأرداهم مضرجين بدمائهم، وقد انكسر رمحه وهو يقاتل الفرسان على مقربة من زوجته الظاعنة معه.

ترى ماذا ستكون ردة الفعل لو كان دريد بن الصمة روميا أو فارسيا أو حتى صليبيا، أو كان في عصرنا هذا؟

أقصى الظنون أن يمن شاكي السلاح على الأعزل بالأسر وسوقه إلى أحد معتقلات الأسرى إن لم يناجزه ويقض عليه.

لكن دريدا تحركت فيه النخوة العربية المنبعثة من طيب منبت وكريم أصل، فأعطاه رمحا آخر، وقال له: اذهب فمثلك لا يقتل وأنت في جواري حتى تصل لأهلك وزوجك.

دارت الأيام دورتها، وكان أن قتل هذا الفارس ربيعة بن مكدم، ومثله لا بد أن يلاقي حتفه كما علمتنا الأيام فالحر الكريم ليس له عمر.

ثم دارت أيضا على صاحبنا دريد بن الصمة فوقع أسيرا في يد قبيلة ربيعة بن مكدم، مكبلا بأغلاله يحط به الذل وتعلو به الأنفة، فمرت به نساء حي القبيلة فرأته أرملة ربيعة فعرفته فصرخت لحيها: يا لقومي إني جارة لهذا الرجل، فقد كان لزوجي ولي في يوم الوادي، وأخذت تذكرهم بفعلته النبيلة، فأجاروه.

ثم كان مبعث الإسلام على يد الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى أن كتب الله له الفتح المبين، ففتح مكة وفر من فر وقتل من قتل وأسلم من أسلم في ذلك اليوم المشهود.

وبعد تعب وجهد جهيد في ذلك اليوم المثقل بالإعياء ووعثاء السفر، ذهب نبينا عليه الصلاة والسلام ليغتسل وفاطمة ابنته رضي الله عنها تستره، وإذا بالمستأذن يريد الدخول، فقام النبي عليه الصلاة والسلام وفاطمة تستره، وقال: من؟ فقالوا: أم هانئ - ابنة عم رسول الله - فقالت: يا رسول الله إن عليا - أخاها - أراد قتل رجلين من أحمائي وقد أجرتهما. فقال عليه الصلاة والسلام «مرحبا بأم هانئ، قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ». وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى على هذا فقال «باب أمان النساء وجوارهن»، وفي رواية عند الإمام أحمد «قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت يا أم هانئ».

فانظر كيف أعطى الإسلام المرأة المكانة العالية في تدخل الجوار وألا يخفر ذمتها أحد من الناس كان من كان، وذلك لورود أدلة قطعية كما روى البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا».

فتأمل يا أخي المسلم كيف يدفع الإسلام بعجلة التمسك بالأخلاق الحميدة والرزايا الجميلة؟

فمن كان سخيا جشمه إلى إكرام الضيف والجار، وأناله من الأجر والمثوبة، ومن كان حليما وجهه للتمسك به، بل الحمد له واللوم على الجهل، وهكذا دواليك مما يطول بنا الحديث به عن حث الإسلام للتوجهات الإنسانية التي يطلبها كل نظام ويحث عليها.

وإن تشدق المتشدقون في المحافل الدولية لحقوق الإنسان، فهم صناع كلام والواقع لا يسعفهم، والمنطق لا يستجيز لهم هذا الهراء، والإنسان ما زال يبحث عن ذلك الإنسان في هذا الزمن.

في الختام، الحل هو الإسلام ليعود الإنسان إنسانا يستحق الفخر بنفسه.