من خطب الجمعة

الجمعة - 09 مارس 2018

Fri - 09 Mar 2018

النفس الإنسانية

«لقد اعتنى القرآن بهذه النفس الإنسانية غاية العناية، لأن الإنسان هو محل التكليف، وهو المقصود بالهداية والتوجيه والإصلاح، ومن شرح الله صدره للإسلام وعمر قلبه بالإيمان اطمأنت نفسه، وهدأت سريرته، ونزلت عليه السكينة، وامتلأ بالرضا قلبه.

الصالحون الطيبون المحسنون المشاؤون إلى المساجد هم المطمئنون بذكر الله، وهم الأقوى والأقدر على مصاعب الحياة وتقلباتها، لا تعكر التقلبات طمأنينتهم، ولا تستثير المنغصات سكينتهم، وهذا هو حال أهل الإيمان والصلاح، بينما يتعذب ملايين البشر اليوم يلهثون وراء المسكنات والمنومات، والعيادات والمستشفيات، ويبحثون في الكتب والمؤلفات والمقالات، أقلقهم القلق، وفقدت نفوسهم الأمن، قلقون من الموت، يخافون من الفشل، جزعون من الفقر، وجلون من المرض، إلى غير ذلك مما تجري به المقادير على جميع الخلائق.

القلق انفعال واضطراب يعاني منه الإنسان حين يشعر بالخوف أو الخطر من حاضر أو مستقبل، والإنسان القلق يعيش حياة مظلمة مع سوء الظن بمن حوله وبما حوله.

هدوء النفس وراحة البال نعمة عظيمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها، ومن أصابه الأرق أو دب إليه القلق عرف معنى هذه النعمة، فمن فقد راحة البال تدلهم أمامه الخطوب، وتجثم على صدره الهموم، فيتجافى عنه النوم، ويفقد الراحة، وتظلم الدنيا في عينيه.

لا حصانة للنفس، ولا حفظ للمجتمع أعظم وأنجع وأسرع من الإيمان بالله والسير على هدى الله، الإيمان ينشر الأمان ويبعث الأمل، والأمل يبعث السكينة، والسكينة تورث السعادة، فلا سعادة بلا سكينة، ولا سكينة بلا إيمان، فالإيمان هو الغذاء، وهو الدواء، وهو الضياء».

صالح بن حميد - الحرم المكي

الامتثال والاتباع

«الطاعة هي الامتثال والاتباع، والمعصية هي المخالفة والابتداع، وشر الأمور البدع والمحدثات والمعاصي والمنكرات، وأشدها بلاء الشهوات والشبهات، فقد خلق الله تعالى الإنسان ووهبه العقل واللسان وخاطبه بالشرائع وعلمه البيان وأرسل الرسل بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان وقدر الموت والحياة.

الإنسان ممتحن بالشهوات والشبهات، مندفع في الملذات وفي الراحات، مبتلى بالمعاصي والسيئات تسلط عليه أعداءه وخصماءه، فالشيطان قرينه وعدوه الألد، والنفس أمارة بالسوء، وهي في حضن الجسد والجوارح خصوم تشهد فالشيطان يؤز إلى المعاصي والموبقات والنفس تأمر بالسوء والمنكرات والجوارح شهود إثبات والكيس من دان نفسه وألجمها عن الوقوع في السيئات.

مقارفة الذنوب والمعاصي ضرر وفساد تستوجب غضب الله تعالى ومقته وعذابه وتستنزل نقمه وبلاءه، إن ما يحل بالمسلمين من فتن ولأواء ومحن وغلاء وتسلط الأعداء وجدب الأرض وقحط السماء وأمراض وأوجاع وبلاء إنما هو من آثار المعاصي والسيئات والذنوب والمنكرات.

الله عز وجل ضرب الأمثلة لمن يعتبر وصرف الآيات فهل من مدكر؟ كما أن المعاصي من أعظم أسباب زوال النعم وحلول النقم، فما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره.

خطر المعاصي يعظم ويشد خطبها وبلاؤها ومصيبتها إذا أصبحت مألوفة والناس يجاهرون بها مكشوفة والناس يبارزون الله بها وكل أمة محمد صلى الله عليه وسلم معافى إلا المجاهرون ولن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم.

المجاهرة بالمعاصي استخفاف بحق الله، وجرأة على الله، وعناد للمؤمنين، وتكثير لسواد العاصين، وتعدية لأثر المعصية إلى الغير، وسبب في جرهم إليها وإغرائهم بها، والتسبب في تأثيم من لم يمكر، فمن ابتلي بالمعاصي فليستتر بستر الله عز وجل وليبادر بالتوبة النصوح».

عبدالله البعيجان - الحرم النبوي