حسن علي العمري

الرشوة المادية

الثلاثاء - 06 مارس 2018

Tue - 06 Mar 2018

تحدثت في مقال سابق عن المفهوم العام للرشوة وآثارها، ونستعرض هنا أحد أنواعها المعنون بالرشوة المادية المتمثلة صورها بطلب الموظف العام لنفسه أو لغيره أو قبوله أو أخذه لعطية أو وعد بها، وذلك للقيام بأي عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه للإخلال بالواجبات الوظيفية أو ارتكاب هذه الأفعال لمكافأته على ما سيقوم به من أعماله الوظيفية ولو كان بدون اتفاق مسبق، وهذا النوع من الارتشاء يتطلب لقيامه أطرافا ثلاثة؛ الموظف العام، والراشي، بالإضافة لطرف ثالث يظهر في هذه العمليات حينا وقد لا يظهر عند عدم الحاجة له لإتمام هذه الأفعال فيما إذا تمت بين طرفيها مباشرة.

ولكون هذه الأفعال مرتبطة حتما بالوظيفة سواء كان شاغلها ذا نفوذ حقيقي أو مزعوم، فالمشرع يتوخى حماية المصلحة العامة من الإضرار بها عبر تجريم هذه التصرفات ضمانا لحسن سير عمل الإدارة وهي تقدم خدمات مرفقها أمام جمهورها، كما أن هؤلاء الموظفين عرضة لأخطار وظيفتهم وإغراءاتها سواء بالامتناع عن أداء واجبهم الوظيفي أو مخالفة هذا الواجب طمعا في مغانم معينة، ولا سيما إذا ارتبطت الخدمة بصاحب جاه أو مال أو منصب.

ولا يتصور وقوع جريمة الرشوة المادية إلا من موظف عمومي مختص، سواء كان هذا الموظف العام موظفا حقيقيا أو زاعما أو من في حكمه، وفقا للتوسع النظامي فيمن يعدون في حكم الموظف العام.

وإن كانت القوانين الجنائية لم تحدد الموظف العام تحديدا دقيقا يزيل اللبس، إلا أن القانون الإداري ـ وفقا لاختصاصه بمعالجة أحكام الوظيفة العامة ـ قد خطا خطوات رائدة في هذا الاتجاه، سواء في قواعده ومبادئه أو ما قرره وابتدعه القضاء الإداري وفقهاؤه من أحكام وتعريفات، ليأتي قانون العقوبات تبعا لذلك بمفاهيم متوسعة تغطي كل منافذ الارتشاء، وتحفظ للوظيفة العامة حرمتها، وإن كانت مسألة الموظف المختص قد طالها الجدل هي الأخرى، إلا أن الاختصاص لم يخرج عن حالتي الاختصاص الحقيقي، سواء كان كليا أو جزئيا أو الزعم بالاختصاص ومنه الاعتقاد الخاطئ به، ولأن الرشوة المادية جريمة خطرة يطال خطرها حد المساس بقيم ومصالح المجتمع التي يجب حمايتها بكافة السبل والتشريعات، إلا أنه وبمجرد وقوع أحد الأفعال السابقة تقع جريمة الرشوة المادية مكتملة الأركان، فلا يستلزم تنفيذ أو امتناع الموظف لموضوع الرشوة أنه كان لا ينوي القيام بها، لأن الركن المادي يقوم بتوفر عناصره المتمثلة بالنشاط الإيجابي بالأخذ أو الطلب أو القبول أو العرض ثم موضوع الرشوة وهي الفائدة المتوخاة من هذه الأفعال، ووقت الرشوة قبل القيام بالعمل أو الامتناع عنه وهو ما يميزها عن أنواع أخرى من الرشوة، كالارتشاء اللاحق والمكافأة اللاحقة، وهو ما سنبينه مع بقية أنواع الرشوة المعنوية والحكمية بشكل مستقل في مقال لاحق.

المختصر البصري

1 الرشوة جريمة عمدية تقع مكتملة بمجرد صدور أي طلب أو عرض أو أخذ أو قبول وإن لم يحصل الموظف عليها أو لم يؤد العمل المتفق عليه.

2 يعد طلب الموظف الرشوة لغيره جريمة مكتملة الأركان وهو في نظر القانون فاعل أصلي وليس شريكا.

3 العطية هي كل كسب أو فوائد يحصل عليها الموظف بحكم وظيفته بغض النظر عن نوعها ومقدارها سواء كان قليلا أو كثيرا.

4 لا ينال من وقوع جريمة الرشوة المادية تسلمها من قبل المرتشي مباشرة أو من قبل شخص آخر أو إيصالها له بأي طريقة.

[email protected]