باسم سلامه القليطي

العيون السحرية سلبت الحرية

السبت - 03 مارس 2018

Sat - 03 Mar 2018

اعتدنا ونحن صغار، أننا كلما سمعنا صوت جرس الباب أسرعنا نحو العين السحرية، ووقفنا على أطراف أصابعنا، واختلسنا من خلالها النظر، حتى نعلم من الطارق الذي حضر، فالباب بابنا، والطارق يخصنا، وكبرنا والمفترض أننا تطورنا، وأصبحت في جيوبنا كاميرات أشبه ما تكون بالعين السحرية، ولكنها معكوسة، فأصبح من هو خارج البيت يشاهد أهل البيت، ويهتك أستارهم، ويكشف أسرارهم، ولا هدف لديه سوى الفضول، أو البحث عن الشهرة، لكي يقال فلان صور هذا الفيديو، أو التقط تلك الصورة، وما عليه إن سبب فوضى أو جعل نفوسا مكسورة، فالعين السحرية التي كانت تمكن الناظر من المشاهدة فقط، أصبحت تصور وتحفظ وتفضح، من أسوأ العيوب الاهتمام بعيوب الناس.

ومما زاد الطين بلة، أن مقاطع الفيديو صارت تهطل علينا كالمطر، ولكنه للأسف ماء قذر، إن نجونا من تلوث أعيننا، فقد نصاب بتلوث أذواقنا، وخدش في حيائنا، فأغلب هذه الفيديوهات لا قيمة لها ولا معنى، وأقل ما توصف به أنها تافهة، تعتدي على الخصوصية، وتسلب الحرية، فتجد فيديوهات مختلقة ساذجة صبيانية، ويراد منك تصديق أنها عفوية، وتجد فيديوهات خادشة للمروءة والحياء، وأخرى تمتلئ نفاقا ورياء، وتجد فيديوهات تعتدي على حقوق الآخرين وحرياتهم، وتنغص عليهم حياتهم، وتجد وتجد.. وقلما تجد عندما تجتهد فيديوهات جميلة ذات قيمة ومعنى، وأنك بمجرد ما تشاهدها تصبح أجمل وأغنى.

المثير أن هوس التصوير أصاب الكبير والصغير، وأصبح هذا الأمر ديدن الكثير، وكأن أحدهم صحفي مطالب بإنجاز تقرير، فأصبحوا يصورون أي شيء، الميت والحي، ونسوا أو تناسوا أن هذه الأفعال قد حرمها الشرع، ويعاقب عليها القانون لما تسببه من أضرار نفسية واجتماعية على الضحية، إذ لا بد أن نحمي الإنسان والذوق العام والآداب المتعارف عليها من عبث العابثين، ومن أعين الفضوليين، التي طالت وتمادت، وقد اجتمعت في التصوير ثلاث علامات تدل على الجهل، فقد قيل أربعة تدل على الجهل: صحبة الجهول وكثرة الفضول وإذاعة السر وإثارة الشر.

كم هي جميلة هذه التقنية التي بين أيدينا، وكم هي نافعة إذا ما أحسنا استخدامها، ولكن الضرر كل الضرر عندما تتحول هذه التقنية إلى عين سحرية تتسبب بالمصائب والألم، والهدف شهرة تافهة، أو ضحكة زائفة، ومما يضحك ويبكي، ويصيب المنطق في مقتل، الاعتداء على حرية الآخرين بحجة الحرية الشخصية، وينسى ذلك المعتدي أن الحرية مسؤولية، وكما قال (مونتسيكو): تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين.