الفن والمجتمع

السبت - 03 مارس 2018

Sat - 03 Mar 2018

في هذه المساحة سأتحدث عن حلقة الوصل بين الفن كفن والمجتمع، كما أنوه في هذا السياق بالدور الذي يقوم به الفن بمختلف أشكاله وكل شرائحه، ولكن قبل الولوج في خضم تلك العلاقة يجب أن نحدد دور الفن باعتباره فنا قائما بذاته، بحيث لا نقف حيارى حول هذه الجزئية من الموضوع، لهذا كان لزاما علينا أن نستدل ببعض وجهات النظر التي نطرحها، حيث نتفق جميعا على أن الفنون هي نشاط إنساني متعدد الاتجاهات يقوم به فرد أو مجموعة أفراد يشكلون شريحة من المجتمع الذي يعيشون فيه. وهذه الفنون تقدم مجموعة صور لحياة المجتمع يجسدها الفنان ويرسمها حسب ما يتخيله ويتصوره في ذهنه، وبالتالي يمكننا أن نقول إن الفن حالة شعورية يتقاسم في خلقها الذهن والقدرات الذاتية التي تبرز عامل الابتكار والإبداع، بحيث تكون لنا لوحة معبرة وكاملة الأبعاد والمواصفات، مما يبعث الأثر الفني للبيئة والمجتمع.

فالأثر الفني هو الباعث الذي يحقق التذوق الفني ويولد الإحساس تجاه العمل الفني بالمنظور العام، وبذلك يكون للفن أهمية ودور فعال في مسيرة الحياة الاجتماعية وزيادة الوعي الاجتماعي والثقافي بين أفراد المجتمع. فالفن في حد ذاته أخلاق يسمو بها الفنان، بل إنه غاية يسمو بها للوصول إلى هدفه، ويسعى خلالها إلى نفسية نقية خالية من الغدر والكراهية والحقد والحسد، وأن تكون له رسالة سامية يجب أن يؤديها نحو مجتمعه، بشرط أن تكون ذات مضامين هادفة ومؤثرة، وأن تساهم في تطور المجتمع.

إن الفن تعبير حقيقي عن المجتمع، والمجتمع هو الذي يشكل هذا الفن بصوره وأشكاله، كما أنه يحدد قيمته بما أنه جزء لا يتجزأ من الوجود. فالحياة معين لا ينضب ونبع يستسقى منه، فالفنان أفكاره تنبعث من ذاته فنجده ساعيا لإدراكها والتعبير عنها وفق موهبته وميوله، ولهذا فإن المجتمع يعد وصفا لشيء منظور، إنما هو خيال يسبح في فضاء الذهن، والخيال نسيج وهمي غير محدد المسافات، ولا يتأتى إلا في وجود مناخ نفسي مناسب يتعاطى معه الفنان للوصول إلى فكرة الموضوع، فيدخل في تجربته الخاصة التي تبحر به في أعماق الواقع الحي، ويستغرق في التأمل ثم التأمل حتى تنضج التجربة بعدما يضيف إليها ما يراه ملائما لاكتمال الصورة التي بذهنه. إنها روح الفنان ورؤيته الثاقبة نحو الوجود، فيخرج للمجتمع بثمار فنية أفرزتها قدراته الإبداعية. إنه الخلق الفني الذي تنضوي تحته جمالية الصورة الفنية، حينئذ يكون الذهن على درجة عالية من الوعي والنضوج والإحساس بالقيمة الفنية لتلك الصورة التي تنتهي إلى قالب فني متكامل. فالإبداع ما هو إلا حالة يتحكم فيها الفنان في أدواته وتعبيراته الجلية، وبالتالي نخلص إلى أن الحياة الاجتماعية هي نقطة انطلاق الفنان، وهي التي تربطه بالمجتمع الذي يستمد منه فنه وإبداعاته وكينونته.