فايع آل مشيرة عسيري

الصحوة الظلامية والضجيج!

الجمعة - 02 مارس 2018

Fri - 02 Mar 2018

حدثني أحد الأساتذة الكرام «مرت علينا مرحلة كنا إذا استمعنا لأغنية كنا كأننا ارتددنا عن الإسلام وشيئا فشيئا حتى قتلوا مشاعرنا وصنعوا منا جسورا اسمنتية لا قلب لها ولا مشاعر..!

كم جناية ارتكبوها بحق الأمة، وكأن «الوتر» مصيبة تهلك الأمة وتهوي بها، وزاد الأمر حتى صنعوا إرهابا ونفوسا متعطشة للقتل والانتقام والتدمير!

كم من صاحب لحية دمر وقتل وفجر ولم نسمع وترا أو مغنيا أو فنانا ارتكب جريمة قتل بحق أحد، هنا المفارقة: هذا مرضي عنه، وهذا مذموم ومصيره إلى النار هكذا كانوا يعلموننا مع الأسف! يا عزيزي لم أكن أتخيل أن الحياة ستعود لنا بعد أربعين عاما من الاختطاف».

لقد اختطفت الصحوة كل فنون الحياة الجميلة والتنوع الثقافي والتعايش الاجتماعي المتنوع، وتمازج الألوان الحياتية، وألقت بها في الظلامية العاشقة لكل تطرف تكفيري، وكانت حجر عثرة في كل تقدم للأمام بداية من تعليم البنات والراديو والتلفاز والدش..إلخ، وأعادتنا في تلك المرحلة للتخلف والوراء، وبات معها كل شيء مقيدا تحت ادعاءات واهية لخدمة أجندة خارجية قادمة من أفغانستان والشيشان، وقاعات المدارس التي أوجدت للتعلم والتجربة والبحث العلمي وصناعة فكر يضاهي العالم تحولت بكل أسف لساحات حربية، وعرض الكثير من أشرطة الفيديو للجهاد غير الإسلامي وما زالت صورة المعلم ذي اللحية الكثة والثوب القصير أمامنا، يزبد ويرعد الفاقد للأهلية التعليمية، الضعيف جدا في مادته العلمية، وهو يعوض هذا النقص الفاضح بترديد أكثر قبحا وجرما وسخفا: الله أكبر.. الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا. إضافة لتلك التعبئة كانت أشرطة الكاسيت والمخيمات الدعوية الصحوية الصيفية تعج بالكثير والكثير من خطابات التحريض والضجيج المستمر والمستتر بجلباب الدعوة إلى الله، وتوغلت تلك الصحوة بشكل كبير وفرضت فيها سيطرتها العبثية وأمسكت بكل مفاصل الجهات الدينية، مما جعلها تشكل ضغطا اجتماعيا ووظيفيا مهولا في وجه كل من يحاول أن يخالفها أو يشكك - مجرد الشك – فيها، فضلا عن رفضها، وأمسكت معها بكل مفاصل الثقافة الاجتماعية، ومنها التعليم الذي كان يمارس داخل أبنيته «منهجا خفيا» هذا المنهج المؤدلج للعقول كان سببا في صناعة أجيال طالبانية وداعشية تعاني متلازمة السجن والتكفير..!

تلك المرحلة الظلامية قضت على روح الحياة وحولتها إلى بيوت من الحزن والكآبة والسواد والقبور حتى بات المجتمع يعيش حالة حداد مستمرة، وباتت الحياة للموت والموت فقط..!

الصحوة كانت تعزف على وترين لا ثالث لهما في سبيل الوصول لأهدافها المريضة القاتمة، فتارة تعزف على وتر الدين في سبيل تحجيم المجتمع وممارسة الوصائية المطلقة عليه، وتارة تعزف على وتر العرف القبلي في صورة الشرف والفضيلة والعيب، حتى باتت القوى الناعمة ضربا من الاستحالة، وإقصاء دور المرأة إقصاء سلب منها كل شيء، وهي النصف الآخر الذي يشارك في بناء الوطن.

ثقافة الضجيج والعويل والصراخ طريق أولئك الصحويين ذوي الانتماءات الإخوانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة يائسة للعودة والسيطرة على المجتمع ثانية، وترهيب العاشقين للحياة والمحبين للثقافة والفنون بكل مشاربها ونشر ثقافة التهويل والتخويف، والحرام والعذاب؛ كي تغتال فرحة الناس ومناسباتهم وتحولها لأناشيد بأسماء إسلامية ومسابقات جهادية تعزز العدائية والعنصرية!

الصحوة الغوغائية التي نراها اليوم هي محاولة لاستعادة الضوء المفقود بعد أن وأدته في طقوسها الحاقدة، تحاول الآن عابثة عرقلة ما نشاهده اليوم من تطور وبناء وانفتاح على العالم.

ومضة: يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «نريد التعايش مع العالم وسنقضي على بقايا التطرف، ونعود للإسلام الوسطي المنفتح على العالم والأديان، ومشروع الصحوة لم ينتشر لدينا إلا بعد عام 1979.. لن نضيع 30 عاما أخرى في التعامل مع الأفكار المتطرفة، سوف ندمرهم اليوم؛ لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم».