عبدالله العولقي

العرب في الذهنية الفارسية

الخميس - 01 مارس 2018

Thu - 01 Mar 2018

يمثل الجنس العربي هاجسا في الذهنية الفارسية كثقل مقلق لها عبر التاريخ، من حيث الإحساس بالنقص تجاه الحضور العربي كمكون فاعل وصانع للحضارة الإنسانية، على عكس نقيضه الفارسي المصنف حضاريا كمستهلك، ولعل ثنائية «العرب والفرس» في الحضور التاريخي في العراق بدأت بانتشاء الفرس لاندثار الحضارة البابلية العربية قديما في بلاد الرافدين، ثم احتلالهم لجغرافيتها، وبالتالي استيلاؤهم لحضارتها استهلاكا أعقبه استياء أعظم في ذاكرتهم الذهنية بعودة الحضارة العربية مع الفتح الإسلامي الذي يمثل لتلك الذهنية بؤسا تجتره أجيالهم بالتعاقب كذكرى مريرة، ولعل أوهامهم الادعائية اليوم بالسيطرة على العواصم العربية الأربع يتمثل كإعادة تاريخية بين الثنائية للسيطرة على بابل، ولذا نجدهم حريصين جدا على التغيير الديموجرافي ككسر زمني لقاعدة التاريخ يعيد نفسه، ولكن ما يحدث اليوم في الداخل الإيراني من احتجاجات شعبية بدأت توهن النظام من قواعده، كما أن تعامل الملالي اليوم مع النفسية العربية ينم عن جهل في إدراك كينونتها التي تواجه اليوم أثقالا من الأزمات المتعاقبة والمتراكمة في بلدانها، والمنكوبة بمؤامرات الربيع العربي والتي ما إن تتعالج من أزماتها حتى تنتفض عروبتها الأصيلة، وينتخي الإباء المعهود تاريخيا في كينونتها وحينها سيعود ذلك الثقل التاريخي قلقا وكابوسا على الذهنية الفارسية من جديد كتكرار تاريخي لفتح العراق.

الإشكالية الفارسية الإيرانية مع العرب اليوم هي إشكالية عرقية أولا في جوهرها، ثم تأتي كإشكالية دينية مذهبية بدرجة ثانية كأداة معينة على أوهام التوسع والاحتلال، ولذا استخدموا وبمكر فارسي معنى التقية في «المذهب الشيعي» كتأصيل لعنصريتهم تجاه العرب ومدخل سياسي لاجتياح الجغرافيا العربية، كما أن تأسيسهم لثقافة الخرافة والأسطورة في عمق المذهب الشيعي ساهم في تعدياتهم السافرة على التاريخ، ولعل إسقاطهم العرق الفارسي في أساطير صفويتهم على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كمخالفة تاريخية مفضوحة وهو الهاشمي العربي القح له دلالة على الغيرة المتأججة في نفوسهم ضد العنصر العربي.

كما أن احتلالهم اليوم للأحواز العربية، ومحاولاتهم البائسة طيلة ثمانية عقود من طمس الهوية العربية عن جغرافيا عربستان، ومنعهم عربانها من التسمي بأسماء أجدادهم العربية، وتغييرهم أسماء المدن والشوارع والمعالم إلى مسميات فارسية، لها ذات الدلالة، علما بأن أغلبية الأحواز يدينون بالمذهب الشيعي، إلا أنهم محرومون من الوظائف العليا في الدولة، بل يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، وهنا تتضح الصورة بجلاء حول عقدتهم مع العرق أولا مثلما تفرق أجندتهم اليوم بين شيعة العراق العرب ونظرائهم الفرس!.

الأدبيات الإيرانية تصور الإنسان العربي بأبشع السمات وأقذعها، ويعد شاعرهم «فردوسي» الأب المنظر لشعوبيتهم الحديثة تجاه العرب، ولذا تجد الذهنية الفارسية في ظاهرها تتعامل مع العرب ومتعلقاتهم كبدو يتضادون مع أبجديات الحضارة، وأما في باطنها فهي تعي معنى العرب كتاريخ حضاري مجيد ودور محوري حاضر وحاضنة للديانة «الإسلام».

ولعل لغتهم الفارسية التي تتشكل أنماط حروفها بالرسم العربي وكذلك عباراتهم التي يتفوهون بها في مجالسهم وصحافتهم وإعلامهم تتأسس جملها على الكلمات العربية، بالإضافة إلى مضمون تراثهم المرتكز على اللغة العربية كوعاء حاضن لثقافتهم بعد انقراض الفارسية كلغة مكتوبة، ولا يخفى على القارئ الكريم دور اللغة في تشكيل الوعي والثقافة لدى جمهورها، ومن هنا يأتي دور العقدة النفسية المتشكلة في الذهنية الفارسية تجاه هيمنة اللغة العربية على لسانهم.

وفي التاريخ الحديث، شكلت «عاصفة الحزم» أزمة جديدة في عمق الذهنية الفارسية أصابتها بمتلازمة حديثة من العقدة العربية، وشكلت بعدا تاريخيا مهما حينما بترت أياديها عن العمق الاستراتيجي للعرب، وأعادت صياغة مفهوم «العرب» كهاجس تاريخي وأبدي في الذهنية الفارسية، ولا غرو أن علمنا أن عالم التاريخ ومثقف الجزيرة هو قائد هذه العاصفة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، ومنفذها ومهندسها هو نجله وولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، وحفظ بلادنا ورعاها من كل سوء.