غياب إيران لم يفاجئ أحدا

الأربعاء - 28 فبراير 2018

Wed - 28 Feb 2018

لم يثر غياب إيران عن مؤتمر الكويت لإعادة بناء ما دمرته الحرب في العراق أحدا، بسبب قناعة جماعية بأن طهران لا تولي أهمية لقضايا البناء والنهضة وتنمية الإنسان، وانصرفت بالكامل للتدمير والهدم وزعزعة استقرار الدول وتهديد حياة الأفراد. فالنظام الذي أتى في أواخر سبعينيات القرن الماضي محمولا على أكتاف ثورة دموية وانقلاب عسكري، لا يوجد له أثر إيجابي، حتى في الدول التي استطاع فيها تكوين جماعات وأحزاب موالية له، مثل العراق ولبنان، فكل مساهماته في تلك الدول لم تتجاوز تشكيل الميليشيات الطائفية، وتسليحها بترسانات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات والصواريخ.

المؤتمر الذي عقد خلال الأسبوع الماضي حضرته كافة الدول المحبة للسلام، والمنظمات الدولية، والجهات المانحة، وقدم وفد العراق تقارير وإحصاءات بكل ما تحتاجه بلاده حتى تنهض من جديد، فتجاوب الحضور، وفاقت قيمة التعهدات والقروض 30 مليار دولار أمريكي، إلا أن الغائب الأبرز كان هو إيران، التي لم يفتح الله عليها بأن تبعث ولو أحد وزرائها أو نوابهم، ومع أن عدم التجاوب الإيراني لم يكن مفاجئا ولم يثر دهشة أحد، إلا أن البعض كان يتوقع مجرد المشاركة ولو بوفد قليل الأهمية. لكن يبدو أن ذلك النظام فشل في الحصول حتى على فتات من مساحيق يجمل بها صورته أو يواري بها سوءاته.

لذلك فإن الدهشة التي عبر عنها كثير من السياسيين والإعلاميين حول ذلك الغياب ليست مبررة، لأن هذه هي عادة نظام الملالي، الذي إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا سنجد أن مواقفه في كل الأوقات، ومع كافة الدول التي يرتبط معها بعلاقات وطيدة تصب في هذا الاتجاه، وأن دعمه ينحصر في تدريب العناصر الخارجة على القانون، وتجييش الميليشيات، وزرع الألغام والعبوات الناسفة، وهذا هو ما يفعله حاليا في اليمن، فالتقارير والإحصاءات تؤكد أنه لم يسارع إلى تقديم أي من أنواع الإغاثة أو المساعدة المالية أو العينية، حتى لعملائه الحوثيين، وأخلف وعوده التي قدمها لقادة التمرد قبيل القيام بانقلابهم على الحكومة الشرعية، عندما تعهد بتقديم 4 مليارات دولار كوديعة، وتوفير المشتقات النفطية لمدة عام كامل. وما أن ابتلع الحوثي وأعوانه الطعم، وقاموا بمغامرتهم الطائشة، حتى أدار لهم نظام الولي الفقيه ظهره، ونكص عن وعوده، بل ورفض قادته مناقشة الموضوع عند زيارة وفد الحوثيين طهران.

حتى في الداخل الإيراني، لم يقم النظام بإنجاز أي مشاريع تضاف إلى حصيلة إنجازاته، بل إن الأوضاع الاقتصادية تراجعت بصورة ملحوظة، وبات الشعب الذي كان قبل مجيء أعوان الخميني من أكثر شعوب المنطقة رخاء، يصنف في عداد الشعوب الفقيرة، بعد أن تراجعت قوتهم الشرائية، وتناقصت مصادر دخلهم، ليس لضعف في اقتصاد بلادهم، بل لسوء إدارة حكامه، الذين وجهوا تلك الثروات الطائلة لزرع الأزمات في دول الجوار، وتعميق النزعات المذهبية القديمة، دافعهم في ذلك أحقاد قديمة، ورغبة في إعادة إمبراطورية غابت ولن تر الشمس مرة أخرى. وعندما ثار الشعب المسكين أكثر من مرة على أوضاعه البائسة، ورفع شعارات تطالب بتحسين ظروفه، وتوجيه الأموال لإسعاده، بدلا من صرفها على جزار سوريا، وديكتاتور لبنان، ومجرمي اليمن، لم تجد حكومة الملالي سوى استخدام القوة المفرطة بحق المتظاهرين السلميين.

وإن كان قمع المتظاهرين العزل، واغتيال بعضهم واعتقال الآخرين كافيا لإخماد ثورتهم هذه المرة، فإنه لن يكون كذلك في المرات المقبلة، لا سيما أن تزايد الظلم واستمرار الجبروت وتواصل المعاناة وتراجع مستوى المعيشة لن تدع لهم خيارا سوى المطالبة بحقوقهم وبعلاقات حسنة مع جيرانهم، بعد أن أجبرت الظروف مئات الآلاف منهم على اتخاذ المقابر سكنا ومكبات القمامة مكانا للبحث عن الغذاء.