مرزوق تنباك

أعظم الآثار.. لماذا لا تزار؟

الثلاثاء - 27 فبراير 2018

Tue - 27 Feb 2018

يقولون إننا نحن السعوديين أكثر الناس سفرا وسياحة في الأرض، وما يكاد يحل الصيف وتأتي عطلة حتى يشد بعضنا الرحال إلى أرض الله الواسعة، ويقال أيضا إننا ندفع في السياحة الخارجية مليارات الدولارات في كل عام، حتى أصبح ما ينفق على السياحة الخارجية قضية يتحدث عنها الاقتصاديون، ويعذلون وينصحون بتقليل المصاريف واختيار البلاد الرخيصة حتى لا ننزف من الاقتصاد المحلي أكثر مما يجب.

أما ما أنا متأكد منه فإن السعوديين وغير السعوديين من السياح في العالم عندما يذهبون إلى أي بلد يختارونه لعطلاتهم فإنهم يضعون أماكن مشهورة يزورونها، وأن كل دولة تقدر رغبة السياح وتضع كثيرا من الدعايات لما تراه يهمهم، وتقوم شركات عملاقة على تصميم المنشورات وتضخيم أهمية الأثر الذي تريد جذب السياح إليه، فمثلا قبر الشاعر الإنجليزي شكسبير مزار مهم يذهب إليه الزوار، ومتحف الشمع، وقصر باكنغهام، ومئات الأماكن غيرها في بريطانيا تدر ثروة كبيرة في الاقتصاد البريطاني.

وفي الهند يأتي الزوار لمسجد تاج محل، وتعيش مدينة أكرا الكبيرة على اقتصاديات زواره، وفي ماليزيا يشد السياح الرحال إلى البرجين التوأم، وفي دبي يدفع السائح مئتي درهم حين يزور برج خليفة، ويقف في صفوف طويلة انتظارا لدوره، ولن أتكلم عن آثار روما ولا فرنسا ولا مصر وأهراماتها، ولا الجيزة ومدافنها ولا غيرها وكم تدر سياحة آثارها وأماكنها من المال على تلك البلاد. ففي ما ذكرت ما يكفي تعويذة أضعها أمام ما أريد الحديث عنه في هذا المقال وعساها تنفع وتشفع.

ما سبق من ذكر لآثار العالم وكيف اعتنوا بها هو ضرب للمثل كما قال تعالى «واضرب لهم مثلا» ومع الفارق وعدم المقارنة في أي حال لما ورد من أمثلة: فإن في بلادنا وبأرضنا وما هو ذكر لنا ولقومنا، ما لا يوجد في أي بلد في الدنيا، فهل تأذنون لي أن أتحدث عن أعظم الآثار وأكرمها وأحبها إلى الله قبل خلقه، تلك هي آثار نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام،آثار لا توجد إلا عندنا وفي بلادنا تلك هي آثار غزواته ومساجده ومواقفه، ومسيره وأوبته في بعثته وفي هجرته وفي رحلاته، وفي كل خطواته التي خطاها في سبيل نشر دعوته، وتتبعها وعرفها صحابته وأتباعه وقامت عليها ثقافة دينية ومرويات صحيحة حملتها بطون الكتب ونشرت أسماءها ومواقعها في الآفاق، وتعلق بها مليار ونصف المليار مسلم تهفو أفئدتهم إلى هذه الأماكن المقدسة.

ويأتي منهم من يسعفه الحظ في حج أو عمرة وكل همه أن يقف على بعض ما قرأ في السيرة النبوية، ويراها بعينه ويقف عليها أو يصلي بها أو يتتبع خطواته ومنازله، كما كان يفعل بعض أصحابه كالخلفاء الثلاثة وكابن عمر وغيرهم من الصحابة الذين تتبعوا آثاره واعتنوا بها، وزاروا ما كان يزوره، وأقاموا حيث كان يقيم وصلوا حيث كان يصلي.

ولا أدري ما الذي يمنع أن تكون آثار نبينا عليه الصلاة والسلام ومعالم ديننا فرصة للمسلمين يزورونها ويرونها ويتعرفون على أماكنها، وما الذي يمنع أن يقف المسلم على موقع معركة النصر الأول للإسلام في بدر، وينظر للعدوة الدنيا والعدوة القصوى كما وصفهما القرآن وخلدهما قول من رب رحيم بنص حي يتلوه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، وما الذي يمنع أن يعرف المسلم أين تقع بئر أريس وبئر بيرحاء وغير ذلك مئات المواضع في المدينة المنورة ومكة المكرمة، وما بينهما، حملت أسماء تلك المواضع كتب المسلمين الأولين والمؤرخين المنصفين، وقرأها المسلمون وتمنوا لو يرونها أو يزورونها.

وما الذي يمنع أن يذهب الناس لتلك الأماكن ليشهدوها ويشهدوا منافع لهم، وما المانع أن تكون زيارة معالم الإسلام وآثار النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته مصدر إلهام إيماني وشعائري محبب للنفوس. وما الذي يمنع أن تنظم الزيارات والرحلات إليها فينتعش الاقتصاد وتزدهر السياحة المشروعة ويعرف المسلمون جزءا مهما من تاريخ الإسلام.

كان أبوبكر وعمر وعثمان وابن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم يزورون الأماكن التي اعتاد النبي زيارتها ويترددون عليها، ويفعلون ما كان يفعل. عمل النبي وعمل الصحابة بعده سنة يجب إحياؤها والاقتداء بهم ونزع ما في النفوس من وساوس الشيطان.

Mtenback@