حنان المرحبي

الهند وملامح الاقتصاد الرقمي

الجمعة - 23 فبراير 2018

Fri - 23 Feb 2018

علينا ألا نتعامل مع أهدافنا كنقاط وصول نهائية، بل ننظر إليها كأهداف مرحلية أو وسيطة؛ لأن المستقبل سريع التغير، والسباق فيه لا يكون بتطبيق نماذج ثابتة أو الوصول إلى نقاط سبقنا إليها الآخرون، وإنما بالابتكار وتجاوز حدود ربما لم تخطر على بال أحد. وقد تحدثت في مقالات سابقة عن الأسواق الأوروبية والآسيوية، وأبرزت بعض الخصائص التي تنطلق منها لتتحول إلى أسواق دولية أو تصبح محط رؤوس الأموال المهاجرة. مناقشة هذه الأسواق قد تكشف بعض ملامح التحولات الصناعية والتجارية المقبلة.

السوق الهندي، أو كما يصفه المستثمرون الدوليون جامع النقيضين: فهو من ناحية كابوس، ومن ناحية أخرى كنز ينتظر من يخرجه. لم يصل هذا السوق إلى مستوى نجاح السوق الصيني في احتواء المشاريع الأجنبية، ولكن ظلت أعين المستثمرين تتحرى فرصه. فبالرغم من أن الاقتصاد الهندي يعد خامس أكبر اقتصاد في العالم، ولا تفرط فيه الشركات العملاقة أمثال سوزوكي أو أمازون، أو سامسونج، لكنه متأخر في نواح مصيرية لنجاح الأعمال، من بينها البنية التحتية، والأداء المؤسسي، والسياسة، والقانون والحقوق، وتتفشي فيه اللامساواة والفساد، ويضم اتحادات عمالية قوية.

عانت الهند ولا تزال تعاني من سوء السمعة كبيئة صعبة وغير آمنة للاستثمارات الأجنبية، وتعاني أيضا من تدني الخدمات الحكومية، فقد احتلت الترتيب 100 من 190 دولة في مؤشر تسهيل أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي، وتحتل ترتيبا سيئا في كل من استخراج رخص البناء «181» وفي تنفيذ العقود «164».

وما يزيد الأمر تعقيدا على المستثمرين، الاختلافات النظامية والتنوع الثقافي واختلافات البنية التحتية التي تجعل المناطق الهندية أشبه بالدول، تلك الفوارق تتطلب إعداد استراتيجيات مختلفة تبعا للمناطق المستهدفة.

أضف إلى ذلك، الخطوة الجريئة وغير المعهودة على ذلك النطاق الواسع الذي اتخذته الحكومة الهندية للتحول إلى اقتصاد رقمي بالدرجة الأولى، لتتم التعاملات المالية فيه الكترونيا. فقد أزالت الهند ما نسبته 86% من العملة الورقية من التداول، وأثارت هذه الخطوة جدلا واسعا لما ترتب عليها من تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة على المدى القصير، ولكن بحسب رأي أحد الخبراء، سيكون اقتصاد الهند الأسرع تقدما نحو المستقبل وسبيله إليه الوسيط الرقمي.

وربما ستقدم التكنولوجيا حلولا تمكن الحكومة من لعب دور مؤثر في الضبط وسرعة الإنجاز وتنفيذ السياسات.

ومع أن البيئة جالبة للصداع، لكن النجاح في السوق الهندي إذا تحقق فسيكون مضاعفا. الحكومة الهندية مستمرة في الإنفاق السخي في تطوير البنية التحتية ومشاريع الطاقة المتجددة، وتحقيق تلك الأهداف يتطلب وجود مشاريع عالية الكفاءة والتقنية وهي إمكانات تكاد لا تتوفر لدى المشاريع المحلية، ما يجعل البيئة جاذبة للمستثمرين الدوليين المختصين في تلك الصناعات.

ورغم وجود التباين في معدلات الدخول، وأيضا التنوع الثقافي الكبير بين المناطق والذي انعكس على اختلاف التفضيلات وعادات الإنفاق، تعد الهند سوقا استهلاكيا واعدا «1.2 مليار نسمة»، يضم مئات الملايين من الفئة الشابة مقرونة بتنام في الطبقة المتوسطة.Amazon وهواتف سامسونج الذكية نماذج نجحت في الوصول إلى المستهلك الهندي، بعد مراعاتهم التكلفة، وهو مسار تتخلف عنه Apple.

وأخيرا، تضم الهند شبكة من الصناعات الرقمية المؤازرة لبعضها «ابتداء من الخدمات المالية الالكترونية، والبنية، والتوصيل»، وهذه الشبكة جعلت الهند ثالث أقوى نظام اقتصادي رقمي في العالم. قامت الشبكة على قوتين: الجهود الحكومية للتحول إلى اقتصاد رقمي، وتزايد أعداد المؤسسات التعليمية التقنية التي تمد الصناعة بعشرات الملايين من الموهوبين سنويا.

hanan_almarhabi@