علي الغامدي

أحد أسرار القوة

الخميس - 22 فبراير 2018

Thu - 22 Feb 2018

بنهاية الحرب العالمية الثانية سقط النظام النازي، ولاذ الكثير من فلوله بالفرار من ألمانيا، وانتشروا في مختلف بلدان أوروبا بحثا عن النجاة. تلتها مرحلة هدوء وجيزة قبل أن يظهر نوع جديد من الحروب لأول مرة، وهو ما يعرف بـ «الحرب الباردة»، وهي عبارة عن سباق تسلح بين قطبين عظيمين من أقطاب القوى العظمى على كوكب الأرض هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.

كان التوتر محتدما بين البلدين لبضعة عقود، وبلغ مراحل خطيرة جدا دفعت فيه كل دولة بكامل قوتها للانتصار في هذه الحرب، لأن الفائز يعلم أنه سيمتلك زمام السيطرة على العالم لعدم وجود منافس ثالث بحجم هاتين القوتين.

حاولت كل دولة إثبات تفوقها في المجالات العسكرية والتكنولوجية والعلمية والصناعية والطبية وفي عالم الفضاء والاتصالات.

نتج عن هذه المرحلة تسارع كبير في وتيرة الاختراعات والاكتشافات الجديدة على مستوى الحضارة البشرية، بالإضافة لإنتاج المزيد من أسلحة الدمار الشامل وتصنيع أكثر الأسلحة البيولوجية والكيميائية فتكا على الإطلاق، وخروج البعثات المتتابعة نحو الفضاء. كل هذه العوامل كانت مؤشرات خطيرة توحي بكارثة قد تؤدي إلى إبادة بشرية وتدمير كوكب الأرض، بالتزامن مع ذلك كان هناك عدد من الاكتشافات والاختراعات السلمية المهمة، مما دفع باقتصاد البلدين إلى الأمام، وهو عامل مهم في المنافسة.

على أرض الواقع كان الجميع يدركون أن هذه الحرب هي حرب عقول، عندها لاحت فكرة في الأفق لأمريكا وهي مشروع «استثمار العقول» فقامت بتخصيص ميزانيات ضخمة للأبحاث وتشجيع العلماء المحليين، إضافة إلى ذلك قامت بتنفيذ مشروع ضخم مهمته استقطاب العقول من الخارج، بدأ بتنفيذ عملية كبيرة للاستحواذ على علماء أوروبا، ومن ضمنهم حوالي 1800 من أخطر العلماء الألمان من بقايا الحرب العالمية. كان معظمهم خبراء في الفيزياء والهندسة والأسلحة والبيولوجيا والطب وعلم الفضاء.

قامت الولايات المتحدة بتوفير الأمان لهم ولعائلاتهم وأغدقت عليهم الأموال، وقامت بتوزيعهم على مختلف مراكز الأبحاث والجامعات والمصانع والاستفادة من خبراتهم، لأنها كانت تخشى تسربهم للاتحاد السوفيتي. عندها فقط بدأت الكفة ترجح لصالح الولايات المتحدة بعد عدة اختراعات وتطورات حاسمة ومتتابعة على المستوى العسكري والفضاء، وبدأت الفجوة بالاتساع بين البلدين، بل بين أمريكا والعالم أجمع، حتى أصبحت أمريكا تغرد وحيدة خارج السرب دون وجود منافس.

ما زالت أمريكا اليوم متفردة بتفوقها لمحافظتها على سياسة إغراء العقول حتى أصبح العلماء والمفكرون حول العالم لا يستطيعون مقاومة هذه العروض. تلك العقول أنتجت ابتكارات تمثل عصب الحضارة الحديثة مثل أبل وقوقل وتويتر ويوتيوب والسيطرة على شركات الأدوية العالمية وصناعات النقل والتقنية.

1 في كثير من منافسات الدول، العقل هو الذي يرجح الكفة

2 مشاريع »استثمار العقل« أهم أسباب تفوق القوى العظمى

3 العقول تهاجر باتجاه الأماكن التي تقدرها

AliGhamdi2@