وسائل التغافل الاجتماعي

الأربعاء - 21 فبراير 2018

Wed - 21 Feb 2018

تعزيز التواصل من أثمن السلوكيات البشرية، بل يعتبر الأسلوب الوحيد للتعايش والتبادل المعرفي والإنساني والثقافي على كوكب الأرض؛ فمنذ خلق آدم عليه السلام وبحثه عن حواء وأسلوب التواصل غريزة فطرية أوجدها العليم الخبير لديمومة الحياة واستمرارية البقاء والتكاثر، وقطع التواصل يعني انتهاء التطور وبالتالي تراجع الحياة واندثارها.

فتواصلنا مطلب مهم لا يتقنه إلا نحن بني آدم وبأسلوبنا وطريقتنا العقلانية التي تختلف عن تواصل مختلف الكائنات الحية التي تشاركنا معيشتنا، بالإضافة إلى ضرورات الحياة التي أجبرتنا على التفكير بطرق مختلفة وإبداعية بحسب المثل الاجتماعي الدارج «الحاجة أم الاختراع»، حيث توالت الاختراعات من البدائية البسيطة إلى المتقدمة الذكية، وأدت إلى تسارع وتيرة العصر الذي اختلفت وتعددت معه أساليب وسائل التواصل الاجتماعي، وتقارب معه الزمن في كوكبنا العظيم المترامي الأطراف، وأصبح الإنسان يصوله ويجوله في ساعات، ويتعرف شماله على جنوبه بأدق المعلومات، وشرقه يتسابق إلى غربه في نقل المدلهمات، فالهاتف الذكي المحمول والبريد الالكتروني والسناب شات والواتس اب والمكالمات الفورية المرئية والمسموعة والتويتر والشبكة العنكبوتية وغيرها من الوسائل المشهورة التي نعرفها اتحدت لتقنعنا أنها الأسرع كوسيلة للتواصل الاجتماعي.

فكل هذه الاختراعات والتسابق البشري إليها والتهافت الدولي عليها لإثبات من هو الأفضل من وسائل التواصل بغرض الاستحواذ المجتمعي بكل شرائحه وأطيافه من صغيره وكبيره شبابه وشيابه الذي أصبح شغله الشاغل هو تتبع الجديد ونقل السيئ والمفيد، والبعض يجاهد النفس لتسجيل خبر السبق ونيل البطولة في تصويره ونقله ونشره بكل الطرق المتقنة، بل والمنمقة أيضا، مع إضافة القليل من الفلاتر المشهية ليصبح الخبر كما يقال طازجا ومن قلب الحدث، فوسائل التواصل التقنية الاجتماعية سلاح ذو عدة حدود إن أفادت من جانب فستضر من جوانب أخرى للشخص نفسه وأسرته وأصدقائه، والمهم والأهم هو النقل بلا استحضار العقل حتى كثرت الخلافات بين الأسر والأصدقاء بسبب القروبات وسوء استخدام وسائل التواصل أو تفسير الرسائل المقروءة بحسب فهم القارئ، إما إيجابا أو سلبا وهنا تحدث المشكلة.

جميل جدا أن يتسابق العالم لاختراع ما يبقينا على تواصل دائم، والأجمل أن نستغل هذه المخترعات التواصلية ونسخرها لما يخدم ديننا ومبادئنا وقيمنا، فكما هو الحال في لهفتنا إلى التواصل يراودني شعور في اختراع وسائل أخرى مجتمعية مرادفة تساعدنا على التغافل وتبقينا أيضا على تواصل. ونعزز شعار «وسائل التغافل الاجتماعي»، ماذا لو استبدلنا الاختراع التقني باختراع أدبي وأخلاقي مثل التغافل والإعراض، ونبدأ بأنفسنا وذواتنا لنراقب تصرفاتنا وسلوكنا في تواصلنا ونبدأ بتوجيه أبنائنا وإخواننا وأصدقائنا وأسرتنا بوقف التصوير وتبادل النشر لكل ما يسيء لمجتمعنا وكل ما تقع عليه أعيننا ضد الغير، ونستحضر قول الله تعالى في سورة التحريم الآية 3 «عرف بعضه وأعرض عن بعض»، وقال صلى الله عليه وسلم «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة».

فالتغافل سلوك راق لا يتقنه إلا الراقون، حيث يعرف على أنه قمة إظهار الغفلة واللامبالاة في التركيز على أمر ما، والإعراض عنه وعدم الخوض فيه مع القدرة على الرد ترفعا وتكرما للنفس؛ فتماسك المجتمع يزيد بالتواصل ويتحضر، وتعلو هممه بكثرة التغافل. ماذا لو أعرضنا وتغافلنا عن تصوير مقاطع المشاجرات وسلوكيات البعض وخصوصياتهم في أقوالهم وأفعالهم، أو حتى ما يخص شؤوننا المنزلية في أفراحنا وأتراحنا، والتوقف عن تتبع أحوال الغير من مجتمعنا وتصويره وإشهاره على الملأ. ونتخلص من هذا الداء العضال من إدمان وسائل التواصل الاجتماعية واستبدالها بأساليب التغافل الأدبية، ونتدرب على ذلك ونجاهد أنفسنا بإحلال المفيد مكان المسيء، ونتابع البرامج التي تشغلنا بتنمية عقولنا وثقافتنا عما يشغلنا بغيرنا.. قال الشافعي رحمه الله تعالى «الكيس العاقل هو الفطن المتغافل».

Yos123Omar@