مرزوق تنباك

رحل أبو الأيتام

الثلاثاء - 20 فبراير 2018

Tue - 20 Feb 2018

ورحل «أبو الأيتام»، هكذا كان يعرفه زملاؤه ومن يعملون معه ويسمونه، ويصدق الاسم عليه ليس لأنه ثري يرعاهم بماله ويحسن إليهم بعطائه ويجود لهم بما في يده، كما يطلق الناس هذا الوصف غالبا، ولكنه رجل قاده حظه وحظ الأيتام الذين لم يعرفوا أبا رحيما ولا أما حنونا، وأكثرهم لم يولد في بيت ولا يعرف له أهل، ألقت بهم ظروف الزمن إلى مهاوي الحياة وقسوتها، واختارت إرادة الله وتوفيقه أن يعمل هذا الرجل الرحيم على قمة الوزارة التي عهدت الدولة - حماها الله - إليها برعايتهم وتولت أمر تربيتهم، بصفته المسؤول الثاني في ترتيبها الهرمي، ذلك هو المرحوم الأستاذ عوض بن بنية الردادي الذي ودعه الجميع أوائل هذا الأسبوع.

كلف بعمل وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية التي ينضوي تحت مسؤولياتها دور رعاية الأيتام، كان يعمل موظفا كبيرا في وزارة المالية وعندما عرض عليه العمل في الشؤون الاجتماعية لم يتردد، ليس طمعا في المرتبة والوظيفة، ولكن طمعا في أن يجمع مع الوظيفة رفقا ورحمة اتصف بهما وعرفتا عنه ويفيضهما من قلب كبير وشعور إنساني راق على هذه الفئة التي تحتضنها الوزارة مع ما يناط به من مسؤوليات إدارية أخرى، جعل وقته الحر ووقت العمل لدور الأيتام باهتمام أبوي مخلص، وبحث عن الرجال والنساء الذين يجد فيهم ما يجد في نفسه من الاهتمام بنزلاء هذه الدور من الجنسين، اختار من يكل الإشراف على هذه الدور إليه بعناية فائقة وتابعهم بكل ما يتاح له من وسائل التواصل، وملأ وقته بهمومهم ومطالبهم وشدد الرقابة على المسؤولين عنهم، ولم يتهاون في أي أمر يخصهم ولم يقبل أن ينالهم تقصير أو إهمال.

شغل نفسه بشؤونهم ووقف جهوده لتخفيف جفاء الحياة وتصحرها في حقهم، وأصبحت رعاية هؤلاء هما يلازمه واهتماما لا ينفك يفكر فيه ويدرك تبعاته، وكأن الله ساقه إلى هذا المكان شفقة ورحمة بهم خاصة، ومثل من في دور الرعاية من الأيتام القصر، هناك نوع آخر من الفقراء والمعوزين والأيتام الذين لا تضمهم تلك الدور يعيشون خارج دور الرعاية، وحالهم أهون وعوزهم أقل، إلا أن الجميع من الفئة التي تحتاج إلى من يستشعر المسؤولية العليا نحوهم حين يكون عونهم وحاجاتهم إليه. عمل الأستاذ عوض الردادي بكل إخلاص وتفان منقطع النظير، شهد له بذلك كل من عرفه وعمل معه، وعندما قدرت حكومة بلادنا جهوده واختارته عضوا في مجلس الشورى مع شرف المنصب وتقدير الجهد إلا أن الكثيرين تمنوا لو بقي مكانه من أجل هؤلاء الضعفاء، وقد سمعت من زملائه الثناء عليه والشعور بأنهم فقدوا رجلا لا يمكن أن يملأ المكان الذي انتقل منه غيره.

وكان من التوفيق الذي لازمه أن جاء على رأس الوزارة وزير مثله يحمل بين جنبيه قلبا رحيما ووفاء عظيما لخدمة الناس وقضاء حاجاتهم والاهتمام بأهل العوز والفاقة ذلك هو معالي الأستاذ الدكتور علي النملة حفظه الله، ولن ينسى الناس للوزير النملة دوره في تلك الوقفة الأبوية الحانية لولي الأمر خادم الحرمين الملك عبدالله – رحمه الله - عند زيارته للفقراء ووقوفه على أحوالهم في منازلهم، الأمر الذي كان له ما بعده، حيث صدرت بعد زيارته الأوامر الملكية بتحسين أوضاعهم ومساعدتهم.

حقبة ذهبية في تاريخ وزارة الشؤون الاجتماعية تناغمت الجهود المخلصة الصادقة والقلوب الرحيمة من الجميع، ولاة الأمر والمكلفين من كبار المسؤولين الذين خرجوا من الوظيفة وهم يحملون التقدير لإخلاصهم والتكريم لجهودهم والدعاء لهم في السر والعلانية من كل من قاموا بخدمته ونذروا أنفسهم من أجله، ومن الناس الذين هم شهداء الله في أرضه، رحل الأستاذ عوض الردادي إلى رحمة ربه وهو مطمئن الضمير مؤد للأمانة يصحبه الحب والدعاء الذي شيعه به كل الناس الذين عرفوه أو الذين سمعوا عنه. تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.

Mtenback@