عندما ينتصر المجتمع لقيمه

الاثنين - 12 فبراير 2018

Mon - 12 Feb 2018

استنكار بالغ ودهشة كبيرة واجهت بهما الغالبية من سكان هذه البلاد ثلاثة أحداث متشابهة وقعت خلال الأسبوع الماضي في عدة مدن سعودية، فبعد زفة عروس في كورنيش جدة، وحادثة الرقص المستهجنة في شارع الفن بأبها، فوجئ سكان جازان بعريس يرقص مع عروسه داخل القرية التراثية.

ومبلغ الدهشة أن هذه الأحداث الدخيلة على مجتمعنا المحافظ المتمسك بعاداته وتقاليده، حدثت فجأة وفي توقيت يبدو كأنه متزامن، مما يرفع كثيرا من الأسئلة حول المغزى من ذلك التوقيت. وحتى إذا افترضنا بأن ذلك تم عن طريق الصدفة المحضة، فإن مقدار الدهشة لا يتغير، ومبلغ الاستنكار والرفض لا يتناقص.

ويبدو أن هناك من لا يفهمون سير الأحداث، ولا يجيدون رؤية الأمور على حقيقتها، فتوهموا أن توجه الدولة نحو تحديث المجتمع، وتجاوز كثير من السلبيات التي اعتدنا عليها في السابق واستسلمنا لها، مثل التضييق على المرأة، ومنع خروجها للعمل، قد يكون إيذانا بالتحلل من كافة قيمنا التي نعتز بها ونفخر، وأن الفرصة قد حانت لدعاة السفور والاختلاط المنهي عنه، شرعا وعرفا وقانونا، وأمثال هؤلاء للأسف يعانون من عمى في الفكر والبصيرة، وقصور في الفهم والإدراك، لأن ولاة أمورنا أكثرنا حرصا على تلك القيم، وأشدهم تمسكا بها، لأن هذه البلاد التي قامت على كتاب الله وسنة نبيه إنما بلغت ما بلغته من رقي وتطور وازدهار بفضل ذلك.

وحسنا فعلت السلطات المختصة في المناطق الثلاث، بضرورة ملاحقة المتجاوزين، وتأكيد عدم التهاون بحق كل من يحاول المساس بالقيم والأخلاق، أو خدش الذوق العام، فالحرية التي يتشدق بها كثيرون لا تعني بأي حال الفوضى، والحداثة والتطور لا يمتان بأدنى صلة للتفسخ، ورقص النساء والفتيات في الأماكن العامة، ولو كان مع الأقارب والمحارم، لا يحمل مؤشرا على رقي أو حضارة.

وما قامت به تلك السلطات من ملاحقات قانونية لمن اعتدوا على الإحساس العام يمثل رسالة واضحة بإمكان كل من له إدراك أن يفهم مغزاها، وأن عزتنا واحترامنا هما أول الخطوط الحمراء التي لا تساهل مع من يقترب منها.

ومما يؤسف له أن الأحداث الثلاثة وقعت في مناطق يعتز بها الجميع، فقرية جازان التراثية هي من أنفس ما يعتز به المواطنون، لأنها تعرض القيم والأخلاق الراسخة، وكورنيش جدة هو رئة عائلاتها ومتنفسهم، يهرع إليه سكانها مع أبنائهم وبناتهم، هربا من حر الصيف، ويقضون فيه أوقاتهم مع الاحتفاظ بخصوصيتهم الأسرية، فكيف يطيقون فيها رؤية تلك المشاهد الصادمة؟ أما شارع الفن فهو أروع وأكبر ما ابتكره إنسان عسير المتميز، وجعله مقرا لفنونه وإبداعاته، ويبدو أن هناك من يريد أن يجرد تلك المدينة من أبرز معالمها السياحية، الذي بات قبلة لزوار أبها، عبر افتعال واقعة يتخذها بعض كارهي ذلك المنجز الحضاري ذريعة لإعادة مطالباتهم المستهجنة بإغلاقه، وفي الإشارة غنى عن كل إفصاح.

السعودية لمن لا يعلم، أو لا يريد أن يفهم، دولة تستصحب في يد قيم الحداثة والتطور والازدهار، ويسابق قادتها الزمن لمسايرة العالم ومواكبة العصر، لكنها تتمسك في اليد الأخرى بموروثها الثقافي وقيمها الأخلاقية وعاداتها المتأصلة، لا تنفك عنها ولا تفرط فيها، وليس في الحالتين تعارض أو تنافر، والرفض المجتمعي الواسع أثبت ذلك، فهل يعي المتعجلون والمتهورون؟