أحمد صالح حلبي

خدمات الحجاج بين عهدين

الاحد - 11 فبراير 2018

Sun - 11 Feb 2018

بعد قيام المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ التزمت المملكة بتسخير كافة إمكانياتها وتجنيد طاقاتها، لتمكين قاصدي البيت الحرام من معتمرين وحجاج من أداء فريضتهم بيسر وسهولة، والعودة لأوطانهم حاملين أجمل الذكريات عن الحج ورحلته، بعيدا عن صعوبات الماضي ومشاقه، وبرز الاهتمام والعناية بالحجيج، فسجلت الكثير من المواقف والأحداث راوية ما قدمه ملوك هذه البلاد لضيوف الرحمن.

وسجل التاريخ الكثير من المواقف التي تؤكد حرص ملوك المملكة على راحة ضيوف الرحمن، نذكر منها موقفا واحدا من مواقف عدة للملك فيصل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ لحجاج مصر والخليج والجزائر الذين احترقت أمتعتهم في الحريق الذي شب في عمارة بمكة المكرمة يوم الاثنين 19 ذي الحجة 1385، حيث صدر أمره الكريم لسمو الأمير مشعل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ أمير منطقة مكة المكرمة ـ آنذاك ـ بصرف تعويضات مباشرة للحجاج.

وتم تنفيذ الأمر، إذ وجه سمو الأمير مشعل بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ مدير الحج بمكة المكرمة الأستاذ محمد طيبة ـ رحمه الله ـ بتنفيذ أمر المليك، وصرف لكل حاج احترق كامل أمتعته مبلغ 500 ريال، و300 ريال لمن احترق نصف أمتعته و200 ريال لمن احترق ربع أمتعته، وبلغ إجمالي التعويضات التي صرفت ـ آنذاك ـ 24.100 ريال.

واعتبرت هذه الخطوة بمثابة نهج التزم به كافة ملوك المملكة، وأصبحت الدولة تتكفل بتعويض كل حاج يصاب بحادثة، وهذا ما تم في حادثة حريق منى عام 1395 (1975م)، إذ عوض الحجاج على ما لحقهم من أضرار، كما عوض المطوفون على مخيماتهم التي احترقت، هذا ما سجله التاريخ في عهد الدولة السعودية.

لكن ماذا عن الماضي وما حمله من صعوبات كان يتلقاها الحجيج أثناء أدائهم لفريضتهم، يذكر الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي، أستاذ التاريخ الإسلامي «إن الحجاج قديما كانوا يفدون إلى مكة عبر 4 طرق برية، وطريق بحري واحد عبر البحر الأحمر، والطرق البرية في الغالب تحدد من العواصم، فمثلا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، أو من دمشق عاصمة الخلافة الأموية، أو اليمن، وهكذا.

ويضيف الزيلعي أن السفر عبر هذه الطرق كان محفوفا بالمخاطر، والسيول والأمطار، وشح المياه، وكانت في حالة أمنية سيئة، فضلا عن دفع إتاوات لأمراء ومشايخ القبائل للمرور عبر ديارهم.

ويقول الباحث في تاريخ مكة المكرمة الأستاذ عبدالله سعيد الحسني الزهراني إن «شبه الجزيرة العربية كانت قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، عبارة عن إمارات ومشيخات متنافرة تسودها الفوضى وعدم الاستقرار، لا يأمن الناس فيها على أموالهم وأنفسهم لكثرة السلب والنهب والسرقة وقطع الطريق، وكان أعظم المتضررين من فقدان الأمن في شبه الجزيرة العربية هم حجاج بيت الله الحرام؛ فقد كانوا عرضة لقطاع الطرق وغارات القبائل التي تمر قوافلهم بها، ويذكر الباحث أن كتب التاريخ سجلت ألوانا ومظاهر مفزعة تعرض لها الحجاج، حتى إن بعض قوافل الحجيج يتم سلبها بالكامل وقتل جميع حجاجها، بل إن السلب والنهب والسرقة في ذلك الزمان كانت تقع داخل حدود الحرم، وقد سجل صاحب كتاب «مرآة الحرمين» أن على من يريد زيارة جبل النور، وهو جبل قريب من المسجد الحرام ويوجد به غار حراء، أن يحمل معه الماء الكافي، وأن يكونوا على شكل جماعات يحملون السلاح حتى يدافعوا عن أنفسهم من اللصوص الذين يتربصون بالحجاج لسلب أمتعتهم، وقد ذكر في ذلك الكتاب على لسان كاتبه «لقد بلغني أن أعرابيا قتل حاجا فلم يجد معه غير ريال واحد، فقيل له: تقتله من أجل ريال؟ فقال وهو يضحك: الريال أحسن منه».

وبين العهدين القريبين نترك الحجيج يقولون مشاهداتهم، خلال موسم الحج أو العمرة، فهم وحدهم من يوضح الحقيقة، ويكذب التهم.

[email protected]