الجوال يزهق الأرواح

الجمعة - 09 فبراير 2018

Fri - 09 Feb 2018

بث الإيطالي أنطونيو ميوتشي البهجة والسرور والأجواء السعيدة في نفوس البشرية باختراعه الهاتف الثابت، وفارق الدنيا والبسمة لم تفارق محياه كلما تذكر اختراعه العظيم وخدمته للبشرية، وإن كان اختراعه لا يعمل إلا بالأسلاك والأجهزة الثابتة، وبعد رحيله بسنوات طويلة جاء مارتن كوبر واخترع الهاتف المتحرك، ولم يدر بخلده أن اختراعه سوف يتسبب بموجات إدمان غير مسبوقة طول مدة الاستخدام، وبإزهاق الآلاف من الأرواح البشرية نتيجة سوء الاستخدام خاصة أثناء قيادة المركبات، إذ تعاني الأرواح البشرية في عصرنا الحاضر من تحديات وأخطار جسيمة بسبب استخدام الجوال والانشغال به أثناء القيادة، وأصبح من الشائع أن نشاهد الجوال بين الأيدي أثناء تجاوز المركبات أو السير خلفها أو الانعطاف في الطرق، حتى إن مجرد التأخير في التحرك عند الإشارات الضوئية يكون سببه متابعة شاشة الجوال، وما يجري خلفها من أحداث وتواصل مع المحيط الخارجي للسائق، فتضطر مرغما لاستخدام المنبه الصوتي لتنبيه المركبات لتبدأ بالتحرك قبل بداية الضوء الأحمر معلنا إجبار التوقف الكلي والسماح لجهة أخرى من الطريق ببداية انسياب الحركة المرورية.

ويعد الانشغال بأجهزة الجوال أثناء القيادة من السائقين سلوكا قاتلا ومحفوفا بالمخاطر ونهايته الفشل المؤكد والعاقبة الوخيمة، لأنه من المستحيل أن يتقن السائق استخدام الجوال والقيادة في نفس التوقيت دائما، لأن العقل البشري مهما بلغ من درجة الذكاء لا يمكنه التنسيق التام والإتقان بين أكثر من حدث وأمر جوهري متزامنة في التو واللحظة، وكل منها يتطلب الرد والتفاعل بدقة من السائق؛ فقد ينحاز السائق للاستجابة مع الجوال وحديث المتصل فيفقد القدرة على التركيز على القيادة والمحافظة على الطريق فيتعرض للخطر المباشر، ويعرض من في الطريق للموت المحقق. ولا يكتفي كثير من السائقين بإجراء المكالمات الهاتفية باستخدام الجوال بل تتجاوز الأمور إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أثناء السير في الطريق بالكتابة والرسائل الصوتية، والتصوير اللحظي الثابت والمتحرك ووصف حالة الطريق وما يلاحظه وقد يصاحب ذلك تصفح بعض الصفحات الالكترونية، وقراءة الرسائل والردود والتعليق عليها وكل ذلك يشغله عن القيادة الصحيحة الآمنة فيتسبب بوقوع الحوادث الشنيعة ودهس المشاة على قارعة الطريق.

ومن المؤلم بحق أن بعضا من حوادث الجوال المفجعة تم توثيقها قبل وأثناء وقوعها من السائقين أنفسهم بسبب انشغالهم بالتصوير، وبقيت المشاهد المؤلمة تعرض على شاشات وسائل التواصل الاجتماعي، وأصحاب المشاهد في غياب أبدي فلقد فارقوا الحياة، وبقي سوء استخدام الجوال عبرة لمن يبحث عن السلامة.