المطالبة بالضرب في المدارس

الجمعة - 09 فبراير 2018

Fri - 09 Feb 2018

لا شك أننا نجل ونقدر علماءنا ومشايخنا الأفاضل، الذين نستمد منهم بعد الله كل علومنا الفقهية والشرعية، ولا نقبل القدح فيهم أو المساس بهم بشيء يقلل من مكانتهم وعلمهم، إلا أنني أرى أنه لا مانع من توجيه النقد البناء لهم أو تصحيح معلومة لديهم ربما يكونون قد فهموها على منحى آخر مختلف عنا، فهم ليسوا بمعصومين، وخير منهم الأنبياء والمرسلون، فموسى عليه السلام نبي من أولي العزم واصطفاه الله سبحانه لنفسه ومع ذلك طلب العلم من الخضر قال له (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) وقبل بالشرط (قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا)، وأيضا قبل بالنقد واللوم (قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا)، وأخيرا قبل بالفراق (قال هذا فراق بيني وبينك)، ولست في هذا المقام لأسرد مثل هذه القصص بقدر ما أريد أن أستشهد بها على مقالي هذا، فقد خرج علينا أحد الشيوخ الأجلاء مناشدا بضرب الطالب المسيء في المدرسة، مدعيا بذلك إعادة هيبة المعلم إلى مكانتها الصحيحة، وقد لاحظت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر، آراء مختلفة حول هذا الأمر، فمنهم المؤيد ومنهم المعارض وغيرهم متحفظون، ولكن لم تكن مبررات البعض منهم واضحة وشافية للمتلقي، سواء المعارضين أو المؤيدين، وكوني أعارض هذا الأمر وبشدة فقد أحببت أن أصقل بقلمي رأيي المتواضع في هذا الموضوع، ولكي يكون الأمر واضحا وجليا للمتلقي الكريم فإني أحب أن أبدأ من نقطة الصفر لكي تتضح الصورة للجميع.

إن العلم مطلب أساسي للشعوب وبه تتقدم الأمم وتزدهر الحياة، ولن تكون لدولة وشعبها مكانة وهي جاهلة لا تولي التعليم شيئا من أمرها، ويعتبر التعليم في المملكة العربية السعودية من أهم أولويات دولتنا، حفظها الله، فرصدت له الميزانيات الضخمة لإنشاء المدارس والمعاهد والجامعات، ووفرت لطالب العلم كل وسائل التقنية الحديثة لذلك، وهيأت له البيئة المناسبة التي تضمن له علما نافعا بإذن الله وتدريسا وطبعت المقررات التي تتوافق مع تعاليم ديننا وحاجة مستقبلنا.

من هذه المدارس تخرج الأمير والوزير والمهندس والطبيب والطيار والمعلم ورجل الأمن والإعلامي وغيرهم الكثير والكثير من الذين نعول عليهم بعد الله في مستقبل الوطن الطموح، لنقف به في مصاف دول العالم.

من المعلوم أن كل أسرة تستعد للعام الدراسي بكل إمكاناتها فتوفر لأبنائها كافة متطلبات الدراسة، فرحين مسرورين برؤية الأبناء يغدون لمدارسهم ويعودون منها متسلحين بالعلم، ودائما ما نرى البهجة على أبنائهم وبناتهم الذين في الصفوف الأولية من مراحل التعليم.

من هنا يذهب الطالب إلى المدرسة لطلب العلم واكتساب المعرفة والاختلاط بمن هم مقاربون له في عمره، ليصبح فيما بعد لبنة من لبنات المستقبل، فيبقى في هذه المدارس يتلقى العلم حتى يتخرج فيها على ألا يخل بنظامها ولا يخالف قوانينها، ولا يحدث منه ما يتنافى مع رسالتها، وإلا فإنه يستحق العقاب بذلك.

كما أن المعلم حري به أن يكون أبا للطالب يحنو عليه ويهتم لأمره، ويرغبه في العلم والتعليم ولا يجعل فجوة بينهما، وأن ينظر لمصلحته قبل النظر إلى عقابه، ذلك المعلم الجليل الذي نعلم أنه يبذل من الجهد والوقت ما لا نتصور، كما أنه بشر له طاقات محدودة ومشاعر وأحاسيس ليست من فولاذ، ومع ذلك فإنه لا يحق له نظاما ولا منطقا أن يصب جام غضبه على طالب قد صدر منه قول أو فعل يغضبه، وكثيرا ما شاهدنا صورا ومقاطع فيديو لطلاب معنفين من معلميهم بحجة أنهم أساؤوا لهم! فيا عجبا من معلم شوه جسد طالب وأرهبه وأرعبه لهذا السبب.

وكثير من هذه الحالات قد اتخذ فيها إجراء من قبل وزارة التعليم والجهات الأمنية، ضد بعض المعلمين المتهورين، ولعل معلم الأحساء كان آخر الشواهد على هذه الظاهرة. إن الطالب المستحق للعقاب إما أن يكون مقصرا في دراسته وواجباته وبعض من أموره التعليمة، وهذا من وجهة نظري يحتاج إلى معرفة الأسباب، ومن ثم معالجتها بطرق تربوية بحتة. وإما أن يكون سيئ المعاملة مع زملائه ومعلميه، وسلوكه غير مقبول وربما تصدر منه أقوال أو أفعال مستفزة أو غير لائقة أو متنافية مع مقاصد التعليم وأهدافه، ولكن ليس (الضرب) هو العقاب المناسب لها إطلاقا.

إن وزارة التعليم أولت اهتمامها لهذا الأمر ومنها على سبيل المثال التعهد واستدعاء ولي الأمر والنقل لمدرسة أخرى، وصولا إلى الفصل النهائي والحرمان من التعليم، فلا يحق لمعلم التعرض للطالب بالعقاب الجسدي أو النفسي أو كل ما يؤثر على معنوياته وتحصيله العلمي. فلو تعرض معلم للتعدي بالضرب من الطالب مثلا، فهذه قضية تحال إلى جهة مختصة تعطي كل ذي حق حقه، وليس الصحيح أن يأخذ المعلم حقه بيده.

للأسف الشديد أن ثقافة (العصا لمن عصى) ما زالت مترسخة في أذهان الكثيرين معتبرين أن الاستقامة في التعليم لا تتم إلا بها، متناسين أنها كانت مصدر إرهاب في وقت مضى، فالضرب في المدارس سابقا تسبب للكثيرين في ترك الدراسة من المرحلة الابتدائية أو المتوسطة، فنشأ جيل يستهوي الضرب ويمارسه حتى مع أسرته، ومن المضحك أن عبارة (خذ اللحم واترك لي العظم) كان يقولها ولي الأمر للمعلم في زمن مضى، إجلالا منه للمعلم وحرصا منه على تعليم ابنه. وبالفعل سارع بعض المعلمين، سامحهم الله لأخذ اللحم والعظم و»المخ والمخيخ»، ولم يتبق شيء من الطالب.

وإني أتساءل ماذا لو كانت معاملة الطالب لدينا مشابهة أو مقاربة للتعليم في أوروبا وأمريكا واليابان مثلا! هل لديهم طلاب معنفون؟ أم خرج أحد المواطنين يطالب بضربهم في المدارس؟ لماذا نحصر الحل في زاوية ضيقة ولا نرى ولا نسمع غيره؟

إن المعلم مهنته وواجبه التعليم والترغيب وليس (المصارعة) والترهيب، وكل مسيء له عقاب وفق النظام يضمن ردعه وتأديبه وجعله عبرة لغيره.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال